ساد اعتقاد خاطئ أن الإنترنت سوف يصبح ذراع الغرب لنشر الديمقراطية في الصين والقضاء علي الحكم الاستبدادي، حيث يزداد اطلاع الصينيين علي ما يحدث حول العالم وتنمو طموحاتهم في مزيد من الحريات.
وقال بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي الأسبق قبل 13 عاماً، إن أي محاولة للسيطرة علي الشبكة العنكبوتية تشبه اختراق مسمار مصنوع من مادة هلامية للحائط.
واعتقد الغرب ان الإنترنت سوف يسهم في إسقاط النظام الشيوعي الصيني، كما نجحت وسائل الاتصال الحديثة في السبعينيات من القرن الماضي بإشعال الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1971، حيث ظهرت تقنية التلغراف لارسال البريد ثم انتشار الراديو ذو الموجات القصيرة ومحطاته الإذاعية الذي أسهم في انهيار الاتحاد السوفيتي 1991.
ويمثل تاريخ الإنترنت في الصين مقولة «يوم لك ويوم عليك»، حيث تصعد السلطات إجراءات السيطرة عليه لكنها تفاجأ بعد ذلك بقوة انتشاره والتفاعلات المجتمعية، وبحسب تقرير خاص لمجلة «الايكونوميست» يتعرض لقدرة الحكومة في بكين علي تحويل شبكة المعلومات الدولية كأداة في خدمة النظام المستبد يتجنب من خلالها ثورات شعبية مثل ما حدث في دول الربيع العربي بالشرق الأوسط، وتحملت الوزارات الحكومية تكاليف باهظة للسيطرة علي «مارد» الإنترنت من خلال ركيزتين الأولي حائط النار العظيم أو «جريت فايروول» وهو اسم غربي لنظام حجب المواقع الأجنبية بداية من أواخر التسعينيات في القرن الماضي، والثاني الدرع الذهبي أو «جولدن شيلد» وهو نظام مراقبة وفلترة محلي بدأ العمل في 1998، وقد تكلف بحسب ما أعلنته وزارة الأمن العام 1.6 مليار دولار.
وتمتلك الوزارات الأخري أقسام إنترنت خاصة، فضلاً عن إشراف الإدارات المحلية علي التحكم بالإنترنت في مناطقها عبر أنظمة مراقبة خاصة تتكلف ملايين الدولارات، وقدمت 100 شركة صينية هذا النوع من الأنظمة، حيث انتجت نحو 125 برنامجاً يستخدم جميعها في المراقبة وفلترة مواقع الشبكة العنكبوتية.
يعمل جيش من البشر في مجال حجب المواقع وفلترتها يصل إلي 100 ألف يقومون بحذف المواقع والمدونات غير المرغوبة بعضهم يعمل لصالح مسئولين محليين يتعقبون المعلومات السلبية لحذفها، ومنهم 20 ألفاً من رجال الشرطة الذين يخدمون القطاع الأمني والحكومي، وهو ما يعني ان برامج الكمبيوتر للحذف والفلترة لا تعمل آلياً، كما يتصور الكثيرون، ويتكلف الاستثمار في العنصر البشري المستخدم في أغراض المتابعة والرقابة والحذف أموالاً باهظة.
ولضمان فاعلية هذا النظام يقع الاختيار علي رؤساء شركات الإنترنت وأنظمة المراقبة التي توظف هذا العدد الكبير من البشر موالين للنظام لضمان فاعليته.
وفي دراسة حول المدونات المحذوفة في عامي 2011 و2012 ثبت ان السلطات كانت متسامحة مع أولئك الذين كانوا ينتقدون أداء الحكومة وحازمة مع أي شيء يتعلق بالدعوة للتجمع أو للتظاهر حتي لو كان بهدف نصرة النظام الحاكم.
بدأت الحكومة الصينية في عام 2005 تعتمد سياسة اللجان الالكترونية التي تستهدف مواقع الإنترنت بخصوص مواضيع معينة، مثل أزمة النزاع الحدودية مع اليابان لخلق رأي عام افتراضي معاد لطوكيو فيما وصفته بأنها «حرب بلا دخان» ودفعت السلطات 50 سنتاً صينياً لكل تعليق قبل ان تكتشف ان التحكم في الإنترنت وحده لن يكفي ولابد من تفعيل استخدامه لصالح النظام أكثر من ذلك.
ومع تفعيل موقع «توتير» للتواصل الاجتماعي الذي يشبه المدونات متناهية الصغر بدأت السلطات الصينية في زيادة الاعتماد علي اللجان الالكترونية لبسط سيطرتها علي طبيعة النقاش الجاري بين الصينيين في شبكة المعلومات الدولية.
وفي بكين صدرت مطلع 2010 ورقة تحذير من ان مواقع الشبكات الاجتماعية الأجنبية باتت أداة غربية قوية للتآمر السياسي ضد الصين وهو ما دفع الحكومة لتحديث ودعم «حائط النار العظيم» الدفاعي. وخلال السنوات الماضية أظهرت السلطات الصينية براعة في تطويع الإنترنت لخدمة أغراض النظام الحاكم لتحقيق سيطرة أفضل علي المجتمع، ما خلق نمطاً فريداً من الأنظمة القمعية عبر جيش من شرطة الإنترنت ومهندسي الحاسب الآلي والمبرمجين ومطوري الإنترنت وأنظمة المراقبة والمتخصصين في الحملات الدعائية علي الشبكة العنكبوتية.
ونجحت الصين في إعادة تصنيع إنترنت خاص بها ليس ـ فقط ـ عبر قمع الحريات من خلاله ولكن بفضل ما ارتبطت به من أنشطة تخدم أهداف الأمة السياسية والتجارية أيضاً.
وتتهم الشركات الأمريكية المنافسين الصينيين بشن هجمات الكترونية لسرقة الأسرار التجارية وهو ما يؤثر علي قدرتها التنافسية في السوق الدولي، وتشير التقارير إلي ان جيش الصين الشعبي نجح في اختراق شركات التسليح العسكرية الكترونيا وحصل علي معلومات في غاية الحساسية، فضلاً عن اختراقه لمواقع عسكرية لدول أخري.
وفي ظل هذه القيود قدمت «جوجل» نموذجا يمكن لبكين مراقبته بشدة في 2006 لاقناع الحكومة بالدخول إلي سوقها لكن في 2010 توقفت «جوجل» بعد ان نجح الصينيون في اختراق هذه الأنظمة ووصلوا للنموذج المعتاد من محرك البحث العالمي.