بقلم: توماس فريدمان
اعتقد اننا لا بد أن نستغني رسميا عن مصطلح « الربيع العربي »، فليس هناك أي شيء يحدث يشبه الربيع، ولكن بوجه عام مازال هناك تفاؤل مبهم، كما أن مصطلح «الصحوة العربية» لم يعد ايضا صالحا للاستخدام، ولذلك فإن الاستراتيجي انتوني كورديسمان محق عندما قال إنه من الأفضل أن نتحدث عن «العقد العربي» أو «ربع القرن العربي»، وهي فترة طويلة من عدم الاستقرار داخل المنطقة وداخل الدولة، حيث المزيج بين صراع من اجل كل من مستقبل الاسلام ومستقبل شعوب الأمم العربية نتج عنه «صراع الحضارة».
عند اول ظهور للربيع العربي، تم قياسه علي سقوط جدار برلين، ولكن يبدو أن التحول الان مختلف، حيث يشبه الصراع في القرون الوسطي في اوروبا- ثلاثين عاما من الحرب في القرن السابع عشر التي اتسمت بمزيج سيئ من الصراع الديني والسياسي نتج عنه في نهاية المطاف نظام جديد للدولة.
سوف يقول البعض «لقد قلنا لكم الا تأملوا ابدا بأن ينطبق ذلك علي الربيع العربي»، فقد كانت الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي منحتنا الاستقرار علي مدار الخمسين سنة الماضية مجرد كوارث بطيئة الحركة، اقرأ تقرير التنمية البشرية للشعوب العربية للامم المتحدة عام 2002 بشأن ما فعله نقص الحرية وتمكين المرأة والمعرفة في الشعوب العربية، فمصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا ليست علي وشك الانهيار اليوم بسبب الاطاحة بقاداتها، حيث تمت الاطاحة بهم لانهم لسنوات عديدة دمروا العديد من افراد شعوبهم، فنصف السيدات في مصر علي سبيل المثال لا يستطيعن القراءة، فهذا ما جلبه الاستقرار علي مدي خمسين عاما.
واننا لم نطلق عنان الربيع العربي ولم نتمكن من ايقافه، حيث بدأت هذه الانتفاضات علي أيدي شباب عرب لا يعرفون الخوف ويبحثون عن الكرامة، ولكنهم سرعان ما وجدوا انفسهم يتنافسون مع طموحات أخري غير متجانسة، تطلعات بأن تكون الدولة اكثر اسلامية أو اكثر طائفية أو استعادة الوضع السابق.
مازال هناك امران يفاجئانني، الأول هو عدم كفاءة الإخوان المسلمين، ففي مصر، نجد أن الإخوان المسلمين مسئولون عن الحالة المتردية للاقتصاد المصري ويترأسون الملاحقات القضائية لمنتقديهم مثل التحقيق مع الاعلامي الساخر باسم يوسف بتهمة إهانة الرئيس، فكل مرة يكون فيها الإخوان المسلمين امام خيارين إما أن يتصرفوا بطريقة اكثر شمولية أو الاستحواذ علي المزيد من السلطة، فيختارون الاستحواذ علي السلطة مما اعاقهم من القيام باصلاحات اقتصادية مؤلمة ولكنها لازمة.
الامر الثاني الذي اصابني بالدهشة هو مدي ضعف المعارضة الديمقراطية، فمأساة اليسار الوسطي العربي مسألة معقدة حيث يقول مارك لينش، خبير الشرق الاوسط لدي جامعة واشنطن، إن العديد من النخبة السياسية المصرية الاكثر علمانية ومناصرة للغرب الذين بإمكانهم قيادة الاحزاب الوسطيه اليسارية الجديدة من النظام القديم وبالتالي فقدوا ثقة العامة بهم.
فقد ولت مصادر الاستقرار القديمة التي حافظت علي تماسك المنطقة، ولا ترغب أي قوي خارجية غاشمة في احتلال هذه الدول بعد الآن، حيث إن كل ما سيجنونه اليوم هو الديون، كما أن الديكتاتوريين والقبضة الحديدية لن يتمكنوا من السيطرة علي هذه البلدان لان شعوبها لم يعد يتملكهم الخوف، كما أن اول حكومة منتخبة بقيادة الإخوان المسلمين تحمل فكرا خاطئا فمزج الدين بالسياسة لم يعد هو الحل، ولكن المزيد من التنمية البشرية للشعوب العربية هو الحل، ولكن المعارضة الديمقراطية من الشباب ليس لديها حتي الآن زعماء لحشد شعوبها حول تلك الرؤية.
وفي ضوء كل ذلك، فإن أقل الاختيارات سوءا بالنسبة لامريكا هو استخدام نفوذها الاقتصادي للمطالبة بالقواعد الدستورية الديمقراطية والانفتاح السياسي والانتخابات المنتظمة وفعل كل ما في وسعها لتشجيع قادة المعارضة الوسطية للترشح للرئاسة، يجب أن ندعم كل من يريد تنفيذ التنمية البشرية العربية والوقوف امام كل من لا يريد ذلك، هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن هذه المجتمعات من ولادة املها الوحيد وهو جيل جديد من القادة ممن يستطيعون أن يضمنوا «لربع القرن العربي» هذا أن ينتهي افضل مما بدا.
المصدر: نيويورك تايمز