كان أداء نمو الاقتصاد الأوروبي مخيباً للآمال في مواجهة الأزمة المالية، فقد كان قاتماً منذ ذلك الحين، فبعد خمس سنوات من «الركود العظيم» يعد الخطر الذي يواجه أوروبا هو أن تظل حبيسة في مرحلة الركود، حيث أصبحت دول أوروبا تدور في دائرة مفرغة وهي النمو الضعيف الذي يقوض من خفض الديون ويزيد من هشاشة النظام المصرفي، كما أن الارتفاع المستمر في معدلات البطالة يضعف المهارات ويهدر امكانات النمو في أوروبا.
كما أن النمو المنخفض يجعل استعادة كل من القدرة التنافسية والسيطرة علي الماليات العامة اكثر صعوبة بالنسبة للاقتصادات الاكثر تضرراً في جنوب أوروبا، فضلا عن ذلك فإن الركود يقلل من جاذبية أوروبا للاستثمار.
وتساءل جين بيساني فيري في تحليل نشرته صحيفة الفاينانيشال تايمز البريطانية عن السبب وراء ذلك حيث اعتبر أن ضعف الهياكل جزء من الإجابة، ولكنه أشار إلي أن أوروبا اقترفت خطأين اولهما أنها فشلت في ادراك الحجم الحقيقي لمشكلة نظامها المصرفي، حيث اعتقدت أو تظاهرت بالاعتقاد أن الضمانات واعادة رسملة البنوك عام 2008-2009 عالجت الامر في حين أن نقاط ضعف النظام المصرفي كانت في الواقع واسعة الانتشار، ثانيهما أن أوروبا فشلت في ادراك أن ديون القطاع الخاص المفرطة ليست مشكلة امريكا فقط، ففي أوروبا العديد من الاسر والشركات كانوا في حاجة إلي خفض ديونهم.
لكن الشعار الأوروبي- الاصلاح الهيكلي والاندماج المالي- كان ومازال صحيحا، الا أن النظام المالي المختل وديون القطاع الخاص المفرطة جعلت منطقة اليورو غير قادرة علي اعادة تخصيص الموارد وتوليد الانتاجية واستدامة الطلب.
هذه الظروف غير المريحة تجعل هناك حاجة إلي اتخاذ اجراءات شاملة للقضاء علي العلاقات المتشابكة بين ضعف الانتاج وخطط الحد لنسبة الديون والقطاعات المصرفية الضعيفة والاسعار المشوهه نسبيا.
تكمن الاولوية الاولي في الاصلاح المالي، فالبنوك ذات الموازنات الضعيفة تقرض بشروط مكلفة للغاية أو تقرض مقترضين متعثرين حتي يظلوا قادرين علي الوقوف علي اقدامهم كما انها لا تمنح أي قروض للشركات الجديدة مما يمنع الاستثمارات المربحة ويحول دون نمو شركات جديدة اكثر كفاءة، لذلك يتعين علي السلطات الحكومية البدء في رسملة كل من البنوك التي تعاني من نقص رأس المال والبنوك المتعثرة.
وتتمثل الاولوية الثانية في تحقيق التوازن بين خفض الدين العام والخاص وبسرعة مناسبة من التكيف المالي ليكون مناسبا لسياق الاقتصادات الراكدة، فمن الممكن نشر الاندماج المالي علي مدي فترة اطول شريطة أن تلتزم الحكومات بتنفيذها في المستقبل.
يجب أن تهدف الاولوية الثالثة إلي معالجة التفاوت في القدرة التنافسية بين جميع دول منطقة اليورو، تلك المشكلة التي كانت موجودة قبل اندلاع الازمة، فالاصلاحات الهيكلية ذات اهمية محورية لزيادة الانتاج علي المدي الطويل، ويتعين علي الاتحاد الأوروبي توفير المحفزات التي تعالج نقاط الضعف في الانتاج واسواق العمل ورأس المال وفي المهارات أيضاً.. ويجب أيضاً أن يبحث الاتحاد عن اساليب جديدة بما في ذلك تمويل العقود في مجالات محددة، كما يجب العمل علي اعادة توازن الاجور داخل منطقة اليورو أوروبا الشمالية وأوروبا الجنوبية.
ويمكن القول أن حل المشكلة الاقتصادية في أوروبا ليس في المثابرة العنيدة أو تغيير الاتجاه، كما انه ليس في إضافة إجراءات سياسية جديدة إلي القائمة الموجودة بالفعل، ولكنه يكمن في ادراك الطبيعة الحقيقية للتحديات التي تواجهها واعتماد نهجا اكثر شمولية.