هذا الأسبوع يقوم الرئيس المصري محمد مرسي بزيارة رسمية لدولة البرازيل. وتأخذ هذه الزيارة أهمية كبيرة نظراً لعدة أسباب:
أولاً، إن هذه الزيارة للرئيس محمد مرسى هي أول زيارة على الاطلاق لرئيس مصرى ليس فقط إلى البرازيل بل الى أى دولة فى أمريكا الجنوبية حسب وصف السفير طاهر فرحات مساعد وزير الخارجية لشئون الأمريكيتين.
ثانياً، البرازيل دولة تملك اقتصادا قويا شهد نموا كبير في العشرة أعوام الأخيرة. حيث أن البرازيل ثانى أكبر اقتصاد فى الامريكتين و سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متخطية دول كثيرة مثل بريطانيا مثلاً في نسبة النمو. والجدير بالذكر أيضاً أن البرازيل تمتلك احتياطى نقدى يبلغ ٣٧١ مليار دولار.
وأخيراً، المتابع لتاريخ البرازيل وتطورها الإقتصادي على مدار السنوات الأخيرة يعلم جيداً أن بوسع مصر الإستفادة من تجربتها الفريدة. فبينما تحدثنا كثيراً في مصر عن النموذج التركي والماليزي، لم يفرط الكثيرون وقت مماثل لدراسة التجربة الإقتصادية البرازيلية. في عام ١٩٩٩، كانت البرازيل دولة على وشك الانهيار، تعاني من مشاكل سياسية، حتى أن بعض المصادر ذكرت أن صندوق النقد الدولي رفض إقراضها ٣٠ مليار دولار خشية تعثرها في السداد. لكنها إستطاعت من خلال برامج إقتصادية وإجتماعية محددة إخراج أكثر من ٣٠ مليون شخص من الفقر الشديد خلال السنوات الثماني التي تولى فيها الرئيس لولا دا سيلفا الحكم. وفي تلك الفترة، انخفضت نسبة الفقر الشديد من ١٢٪ إلى ٥٪ وتم خلق ١٤ مليون وظيفة، وارتفعت القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور بنسبة ٥٤٪.
فبينما يزور الرئيس البرازيل، أطمح أن تجرى مناقشات مستفيضة عن هذه التجربة المتميزة. هذه التجربة التي حولت البرازيل تماماً في ظل ظروف مماثلة تماماً لوضع مصر الراهن. في الوقت الحالي تعاني مصر من عجز مزمن في الميزانية و يرجع هذا العجز بشكل رئيسي للميزانية الخاصة بالدعم والتي يتعدى حجمها ١٠٪ من الناتج القومي. والجدير بالذكر أن منظومة الدعم تعاني من مشاكل كثيرة لا تسهم في توصيل الدعم بشكل مباشر إلى مستحقيه. حتى أن بعض الدراسات تجزم أن ٤٠٪ من تلك الميزانية تذهب هباء في ظل الأخطاء الرهيبة التي تعانيها هذه المنظومة. المشكلة أيضاً أن هذه المنظومة هي تكافل مستمر لا يحقق أي مردود إقتصادي يكفل خروج متلقي الدعم من حيز الإستحقاق أو يعكس تقدم في أي مؤشرات تنموية.
على النقيض، تجربة البرازيل نجحت في تحقيق تلك المعادلة الصعبة التي تنشدها مصر. فمن خلال إستخدام برامج الدعم المادي المشروط إستطاعت البرازيل إعادة توجيه الدعم للمحتاجين في صورة نقدية شريطة ربطها بأهداف تنموية مثل إكمال الأطفال تعليمهم. أمنت البرازيل أنه لا يمكن لدولة أن تحقيق التنمية المستدامة من دون تحسين الظروف المعيشية لشعبها. و علينا أن نتعلم من التجربة البرازيلية أن التغلب على الجوع والفقر يتطلب إجراءات منظمة، وإرادة سياسية واعية، ومشاركة جميع أطياف المجتمع. و الجدير بالذكر أن عدد المستفيدين من برنامج الدعم المشروط بلغ قرابة الـ ٦٦ مليون إنسان وتسببت هذه السياسة في توسع الطبقة الوسطى و تطور في مقدرة المواطن الشرائية.
وأهم أسباب نجاح البرازيل في تجربتها هو الرؤية المتوازنة بين البرامج الاجتماعية والتنمية الإقتصادية الشاملة. المصارحة أيضاً ساهمت بشكل كبير في نجاح هذه الرؤية. لقد واجه دا سيلفا والقيادة السياسية للبرازيل الشعب بحقيقة الوضع دون تزيد أو مغالاة في الأحلام. هذا بعكس ماحدث في مصر بعد الثورة مثلاً حين لجأت الحكومة إلى العديد من الإجراءات الفورية الغير مدروسة التي كان الغرض منها تهدئة الشارع المصري وكسب رضائه.
بينما يزور الرئيس البرازيل، أتمنى أن تترجم المباحثات إلى خطط عمل واضحة تسهم في حل المشاكل الإقتصادية. أن لا تفضي الزيارة عن كلام للإستهلاك الإعلامي نتحدث فيه عن عمق العلاقة بين مصر والبرازيل بنفس الحماسة التي تحدثنا بها عن التجربة التركية والماليزية من بعدها.
إن بإمكان مصر أن تنهض وتتحسن أوضاعها. الموضوع لا يحتاج إلى معجزة بل يحتاج إلى المصارحة والتخطيط السليم والتفاني في العمل. التجارب أمامنا وبإمكاننا أن نقتلها بحثاً ونأخذ منها ما يناسبنا ونطور عليه. الحقيقة أننا إنشغلنا بصراعات جانبية عن التقدم إلى الأمام. الوقت لم يفت على أن نبدأ في مشوار نعلم مسبقاً من خلال مشاهدة تجارب الأخرين أنه ممكن. ممكن جداً.
المقال بقلم : الدكتور / محمد فؤاد استاذ التسويق الدولي في جامعة MSA