نقص التمويل.. وارتفاع الفائدة.. والتعسف الضريبي.. والبيروقراطية أهم أسباب الهروب من الاقتصاد الرسمي
البيئة المؤسسية تحتاج إلي مزيد من تعديل القوانين ورفع كفاءة الحكومة
كشف مؤشر مناخ الأعمال الخاص بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والذي أطلقته مؤخراً، جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية، عن مؤشرات سلبية تسببت في عدم نمو هذه المشروعات بالشكل الأمثل وخروج معظم القائمة من تحت مظلة الاقتصاد الرسمي ومدي اختلاف العقبات والمشكلات التي تواجهها عن نظيراتها من المشروعات، حيث كشف المؤشر اختلاف المشكلات بحسب طبيعة النشاط وحجمه.
وأُعِد الاستقصاء من خلال مقابلات شخصية مع 601 من المنشآت متناهية الصغر التي تتعامل مع الجمعية في خمس محافظات مختلفة تستوفي المعايير الأساسية لشروط الاستقصاء والخروج بمؤشر يعبر عن حقيقة المشاكل التي يواجهها هذا القطاع المهم والحيوي.
وكانت أهم المشكلات الرئيسية التي أكدتها عينة البحث هي عدم وجود تمويل كاف ومصادر تمويلية لمثل هذه المشروعات بسبب عدم وجود ضمانات كافية كما أن ارتفاع سعر الفائدة يقف عائقاً أمام عملية التمويل وأكدت عينة البحث أن أكبر العوائق هي القوانين الضريبية وتعسفها، بالإضافة إلي صعوبة استخراج تراخيص العمل وتعقدها وهو ما أدي إلي خروج عدد كبير من هذه المنشآت من تحت المظلة الرسمية للاقتصاد.
ويعتمد المؤشر علي ثلاث ركائز أساسية تتمثل في البيئة المؤسسية التي تتضمن تأثير القوانين واللوائح علي إنتاجية المشروعات، بالإضافة إلي مدي تأثير هذه القوانين علي رغبة انضمام هذه المشروعات إلي الاقتصاد الرسمي وتأتي الركيزة الثانية للمؤشر علي عامل كفاءة السوق الذي يتناول تأثير اسواق السلع الاستهلاكية والعمالة والتمويل، والركيزة الثالثة التي اعتمد عليها المؤشر هي تطور الأعمال وتتضمن تقييم مدي كفاءة إدارة المشروعات الصغيرة والتسويق والتخطيط ومدي إمكانية الاستفادة القصوي من معلومات السوق وما يتمتع به من مزايا تنافسية.
وفيما يتعلق بالركيزة الأولي لمناخ الأعمال وهي «البيئة المؤسسية» فقد تناولت عدداً من العناصر، أولها، القوانين واللوائح التي تشجع أصحاب الأعمال علي الانضمام إلي الاقتصاد الرسمي وبالفعل نجحت بعض الاصلاحات التي انتهجتها الحكومة المصرية خلال السنوات العشر الماضية في تشجيع جزء من هذه المنشآت في الحصول علي تراخيص وتسديد الضرائب إلا ان هناك عدد كبير للغاية خارج منظومة الاقتصاد الرسمي ومازالت البيئة المؤسسية تحتاج إلي مزيد من الجهود لتحسين التشريعات وتطوير كفاءة الجهاز الإداري.
تعتمد هذه الركيزة علي مؤشرين، الأول، معوقات الاقتصاد الرسمي، التي تحتوي عدداً من العناصر أهمها تراخيص التشغيل والقضايا الضريبية ودفع الضرائب، والثاني، معوقات الإنتاجية، التي تضم عدد من العناصر أهمها حماية المستهلك وعمليات التفتيش وتسوية المنازعات.
وتناول المؤشر تراخيص التشغيل ومدي سهولة استخراجها، وقسمت إلي عناصر، أولها تراخيص التشغيل وهو الجزء الخاص بالحوافز والمعوقات والعوامل المثبطة للحصول عليها، وأوضح المؤشر أن 47% من العينة البالغة 601 منشأة تعمل بدون تراخيص، مرجعا ذلك إلي ثلاث قضايا رئيسية، أولها الإجراءات المعقدة للحصول علي ترخيص، والثاني نقص الوعي لدي صغار المستثمرين بضرورة العمل بشكل قانوني، والثالث الرغبة في التهرب الضريبي وتجنب الملاحقة الحكومية والقضائية.
وأوضح المؤشر أن حوافز الانضمام إلي الاقتصاد الرسمي غائبة بصورة كبيرة.
وثاني العناصر التي تناولها المؤشر فيما يخص ركيزة البيئة المؤسسية، القضايا الضريبية، وأوضحت نتائج العينة الاستقصائية أن 72% من المنشآت لديها بطاقات ضريبية في حين أن 28% لا تمتلك أي بطاقات ضريبية، وأكد المشاركون من العينة عدم ضرورة سداد الضرائب، وقالت حوالي 50% من المنشآت ان الحصول علي بطاقات ضريبية غير مطلوب وغير مرغوب فيه موضحين رغبتهم في التهرب من الضرائب وتجنب التعرض إلي حملات تفتيش حكومي.
في المقابل أكد 28% من عينة الحاملين لبطاقات ضريبية علي عدم الاستفادة من أي خبرات أو حوافز اضافية أو الحصول علي خدمات ائتمانية إذا ما قورنت بغيرها من متهربي الدفع الضريبي.
وجاءت أسباب عدم اقبال المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي سداد الضرائب انه ليس مطلوب من المنشآت استخراج بطاقة ضريبية، وأن الضرائب تضيف عبئاً جديداً عليهم، ولا فائدة منها، كما سيتم فحص المنشآت بصورة أكبر بالإضافة إلي ان استخراج بطاقة ضريبية يستغرق وقتاً طويلاً وأهم هذه الأسباب هو تجنب الملاحقة الحكومية.
وفيما يخص دفع الضرائب أوضح المؤشر أن 86% من العينة ليس مطلوب منها سداد الضرائب علي المبيعات، وان المنشآت التي سددتها بشكل منتظم، وقدمت إقرارات ضريبية شهرية لا تتعدي 15% من العينة.
وبشكل عام، أكدت تلك المنشآت وجود علاقة سلبية مع الحكومة في المسائل الضريبية، ويري 49% من العينة أن مسئولي الضرائب غير مهتمين بنجاح المشروعات بقدر جمع الحصيلة الضريبية، ويري 46% ان السلطات تطبق القواعد واللوائح وفقاً لتقديرها الخاص بدلاً من انتهاج قانون الضرائب عند التعامل مع المنشآت في نفس مجال الصناعة، كما زعم 53% من العينة عدم وجود طريقة فعالة للتظلم من القرارات الحكومية.
وأوضح المؤشر أنه يمكن أن نجمل المسألة في أن منشآت القطاع غير الرسمي لا تسدد الضرائب، وتري انه لا يوجد سبب لدفعها بسبب نقص الحوافز الحكومية، كما أن هناك أسباباً اخري لتفشي هذه الظاهرة، أهمها ضعف دور الجهات الحكومية وعدم تجديد الأفكار والقوانين لتعامل مع هذه المنشآت.
وفيما يخص المعوقات الإنتاجية، أكد المؤشر أن 71% من عينة البحث لا تقدم أي فواتير للعملاء، في حين أن 19% أحياناً تقدمها، و10% فقط التي تقدم الفواتير بشكل دائم، ويرجع السبب إلي عدم طلب العملاء للفواتير، أما السبب الرئيسي فهو التهرب من الضرائب.
ويبدو أن غالبية المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر تنتهج مسلك الفرار من إصدار الفواتير حيث إن العملاء أيضاً لا يعملون بشكل قانوني ولم تثبت الدراسة قصور قوانين حماية المستهلك رغم تفشي ظاهرة التهرب من الفوتير.
وفيما يخص التفتيش ورقابة الدولة أوضح المؤشر أنه لم تتعرض أكثر من نصف المنشآت المشمولة بالدراسة للتفتيش خلال الاثني عشر شهراً الماضية، وهو الأمر الذي يعكس عدم قدرة الحكومة علي ضمان أداء الجهات المختلفة المعنية بالتفتيش بعملها.
وذكرت نسبة مرتفعة من المشاركين أن إجراءات التفتيش واضحة وسهلة الفهم إلي حد ما باستثناء الإجراءات التي يخضع لها عمل الغش التجاري، إلا أن 64% من المنشآت لم تخضع للتفتيش من أي الجهات حتي الآن.
وتشمل الجهات المنوط بها تفتيش هذه المنشآت بصفة دورية هي الهيئات المعنية بالغش التجاري والصحة والعمالة.
وأكدت 80% من المنشآت التي خضعت للتفتيش انها اجتازتها رغم أن نصفها غير مرخص وهو الأمر الذي يلقي بشكوك كبيرة حول الاحترافية والسلوك الذي تنتهجه مختلف الجهات سالفة الذكر، ومن المرجح أن يكون هناك سببان لذلك، أولهما أن الجهات المعنية بالتفتيش لا تهتم بباقي جوانب القصور أثناء التفتيش، والاحتمال الثاني أن يكون الفساد والرشوة يلعبان دوراً أثناء عملية التفتيش.
واستنتجت الدراسة أن عمليات التفتيش لا تجري بصورة منظمة، وانما بشكل عشوائي، وفي غالب الأمر لا تتم كما اظهرت المؤشرات.
وفيما يخص مؤشر تسوية المنازعات ذكر التقرير أن المنشآت المشمولة بالدراسة اشارت إلي أن هناك حالات نادرة للنزاع مع العملاء والموردين، وما يزيد علي 90% من المنشآت لم تواجه أي نوع من المنازعات، وعلاوة علي ذلك فإن المنشآت التي اعترفت بدخولها في منازعات كانت قادرة علي حل مشكلاتها دون وساطة من جانب المحاكم.
وفيما يخص الركيزة الثانية للمؤشر اختارت الجمعية دارسة ثلاثة مجالات، كفاءات أسواق السلع والمال والعمل، وتحقيقاً لهذا الغرض حددت الأنشطة الخاصة بمصر التي تدفع المنشآت إلي تقديم إقرارات ضريبية غير صحيحة أو محاولة خداع المسئولين بدلا من تركيز اهتمامها علي إنتاج سلع وخدمات تعزز القيمة في السوق.
وأوضح المؤشر أن أكثر المنشآت من عينة البحث تعمل بدون فواتير وبشكل غير رسمي، وأكدت الدراسة أن 55% من الموردين لا يطلبون الفاتورة و21% أكدوا أنهم احيانا يطلبونها، وعلي عكس التوقعات أكدت عينة البحث أن 56% من العينة التي تستخدم الفواتير لا يزورون البيانات بشكل متعمد وهذا ما يعني ان ثقافة العمل في مصر هي التي تدفع المنشآت إلي رفض استخدام الايصالات أو الفواتير وليس الاتجاه نحو فرض اسعار زائدة أو أقل علي الموردين.
وفيما يخص سوق العمل أظهرت المؤشرات أن الحصول علي عمالة ماهرة ليس من أولويات أغلب المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغير، ولم يحاول 80% من العينة البحث في السوق خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
وحول الأسواق المالية وكفاءة قنوات التمويل كشفت الدراسة أن أغلب المنشآت التي حصلت علي قروض من جمعية رجال الأعمال اسكندرية لم تتقدم للحصول علي قروض من مؤسسات مالية أخري، وأرجعوا السبب الرئيسي لذلك بعدم ضرورة التمويل الإضافي بسبب طول الإجراءات وارتفاع سعر الفائدة، وكانت نتيجة البحث هي ان 82% لم يتقدموا للحصول علي قروض نظرا لعدم وجود ضمانات كافية.
وتناولت الركيزة الأساسية من المؤشر مناخ تطور الأعمال من حيث الميزة التنافسية حيث رأي عدد كبير من المنشآت وجود منافسين بالسوق من حيث الجودة وأن المنشآت تحاول مجاراة الجودة للوصول إلي مستوي لائق داخل السوق التنافسية.
وفيما يخص الإدارة الاحترافية والتسويق ومعلومات السوق أكد المؤشر أن أغلب المنشآت تقدم منتجات جديدة لتواكب طبيعة الطلب، كما أن عدداً قليلاً جداً منها توجه للإعلان عن منتجاته بالصحف أو المجلات والتلفزيون.
وفيما يخص التخطيط أظهر الاستقصاء ان عدداً قليلاً من المنشآت يستخدم نماذج العمل التي تعتمد علي التوقعات المالية وذكرت ثلثي المنشآت علي الأقل انها لم تشارك في أي تخطيط أو توقعات مالية علي مدار العام الماضي، وكانت المنشآت التي حددت مستهدفات مالية حريصة علي الالتزام بالمسار المحدد للتوقعات.