أدي التأكيد علي خطط تركيا لشراء حصة من ثروة البترول والغاز في المنطقة الكردية بشمال العراق التي تتمتع بحكم ذاتي إلي وجود سيل من التحذيرات أكثرها حدة من الولايات المتحدة من أن أنقرة تراهن علي تفكك العراق، ولكن في الواقع هناك ما هو عرضة للخطر أكثر من ذلك، فانك اذا القيت أي صخرة في هذه المنطقة الملتهبة فسوف يصل تأثيرها إلي كل دول المنطقة.
ففي العراق، نجد أن الحكومة الاقليمية الكردية والسلطات القومية لا تحرزان اي تقدم حيال التوصل إلي اتفاقية لتقاسم عائدات البلاد الضخمة من البترول، مع حكومة نور المالكي في بغداد، الشيعية المتحالفة مع ايران، تنحاز إلي مصلحة الطائفة والفصيل علي مصلحة الأمة.
ولكن تفكك العراق أصبح جزءاً من النقاش حول تفكك أجزاء من الشرق الأوسط، نظراً للقضية الملحة حديثا بشأن تفكك سوريا بمقتضي التأثير الساحق للحرب الاهلية هناك.
قد زعزع هذا الصراع من استقرار الاكراد في شمال شرق سوريا، الأمر الذي دفع تركيا إلي إبرام السلام مع شعبها الكردي وجذب الاكراد العراقيين والسوريين إلي محيط تركيا الحيوي اقتصاديا.
مجرد بدء هذا الجدال يوحي بمدي إشكاليته ومدي خطورة عواقبه المحتملة، فالنظام القائم الآن هو النظام الذي خلف الإمبراطورية العثمانية في سوريا وبلاد الرافدين.
إحدي مشاكل هذا الجدال هو من أين تبدأ، يجب أن يبدأ المرء بمكائد بريطانيا وفرنسا اللتين قسمتا الممتلكات العربية للامبراطورية العثمانية وأعادتا توزيعها وفقا لمخططاتهما الامبريالية وطموحاتهما، ولكن هل كان أكثرها خزيا اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 أم الحرب الانجليزية- الامريكية في العراق عام 2003 والتي حطمت دولة هشة.
يتحمل النظام الفرنسي_الانجليزي في مرحلة ما بعد الامبراطورية العثمانية جزءا من المسئولية التاريخية لما وصلت اليه حدة التوترات في المنطقة الان، حيث حصرت المملكة المتحدة وفرنسا الأكراد والشيعة تحت حكم الأقلية السنية في العراق، ودعمتا تناوب الاقليات في سوريا، وفصلتا لبنان الذي كان تحت الحكم المسيحي عن الأغلبية السنية في سوريا.
وقد قلب غزو واحتلال العراق وتمكين الأغلبية الشيعية في منطقة عربية هامة موازين القوي الاقليمية بين السنة والشيعة التي ظلت متماسكة لما يقرب من الف عام. إن المبارزة بين السنة والشيعة، والتي اصطدمت بعنف حاليا في سوريا بالغضب الشعبي الذي يطلق عليه الربيع العربي، هي اقوي محرك لما يحدث الآن في المنطقة.
حدث الانقسام في سوريا بشكل سريع نظرا لضعف الجانبين، حيث ان الثوار السوريين السنة المنقسمين لديهم رعاة مختلفون أبرزهم القوي السنية في المنطقة مثل قطر والسعودية مع اجندات مختلفة، في حين أن نظام الأسد المنهار يعتمد بشكل متزايد علي الميليشيات، لذلك فبالاضافة إلي محاولة أكراد تركيا الانضمام إلي المشهد، هناك علي الاقل كيانان علي الاقل بدآ في الظهور، الأول هو منطقة الجزيرة بين نهري دجلة والفرات، والتي تربط بين السنة الساخطين في غرب العراق وإخوانهم في الدين في شرق سوريا.
الكيان الثاني هو معقل العلويين في شمال غرب سوريا، فإذا نجح حزب الله، الحركة الشيعية اللبنانية شبه العسكرية المدعومة من ايران، في تمهيد ممر لعائلة الأسد بين حمص والحدود الليبية، ستصبح هذه المنطقة متصلة في نهاية المطاف بمعاقل الشيعة في سهل البقاع اللبناني.
من الصعب أن نعرف ما هو الرد الصحيح علي ما يحدث، لكنه من اللائق الا نلقي محاضرة علي الأتراك، حيث تعتقد سياستها الخارجية بشدة في «الحدود اللينة» عبر الأراضي العثمانية السابقة.
بقلم: ديفيد جاردنر
المصدر: فاينانشيال تايمز