فرنسا تستغل مستعمراتها القديمة وتستحوذ علي 17 مليار دولار من احتياطياتها
أقامت الصين مع أفريقيا في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر الشراكات التجارية والاقتصادية نجاحا في العصر الحديث، وتستفيد الصين من بترول ومعادن وأسواق أفريقيا بينما تتحقق مصالح القارة السمراء بزيادة التجارة والاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم والأعمال التجارية الصغيرة والتكنولوجيا البسيطة والمتوسطة.
وظهرت انتقادات من قبل أوروبيين وأفارقة لزيادة النفوذ الصيني في القارة باعتباره نوعا جديدا من الاستعمار، لكن يمكن القول إن الغرب يستحق هذه الانتقادات أكثر من غيره، لأن نموذج التنمية الذي تقدمه الصين يجمع بين الاستثمار الإنتاجي والتجارة مع منح القروض الميسرة والمعونات، بما يساعد علي كسر حلقة التخلف التنموي في أفريقيا وهو الهدف الذي فشلت استراتيجيات التنمية التي قادتها دول أوروبية في تحقيقه بقارة أفريقيا.
وكتب سانو مباي العضو السابق في فريق الإدارة العليا للبنك الأفريقي للتنمية تحليلا اقتصاديا نشره موقع بروجيكت ساينديكيت البحثي ذكر فيه أن علاقة الدول الأفريقية مع الصين تساعدها علي زيادة التعاون مع غيرها من الأسواق الناشئة، مثل الهند، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والبرازيل، وماليزيا، وقد دعمت هذه الجهود الطلب العالمي علي السلع الأساسية، كما أنها ساعدت في تنويع الاقتصادات الأفريقية وتعزيز القدرة الإنتاجية للموردين المحليين، واليوم، يحتل معدل نمو الاقتصاد الافريقي المرتبة الثانية بعد آسيا.
وأضاف سانو مباي في تقريره: «قد تكون هذه مجرد البداية، ومن المقرر أن يزداد سوق أفريقيا الحالي من مليار نسمة إلي ثلاثة مليارات نسمة بحلول عام 2045 بما في ذلك 1.1 مليار نسمة في سن العمل اي أكثر من المعدل الموجود في الصين أو الهند.
و تحفز هذه التطورات المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين علي إعادة النظر في استراتيجياتهم في أفريقيا، وهو ما يعزز معدلات التبادل التجاري ويولد الاهتمام بالأسواق الإقليمية المتوسعة في أفريقيا.
لكن التقدم في أفريقيا لم يكن موزعاً بالتساوي في مختلف أنحاء القارة، فقد استفادت بعض الدول مثل غانا ونيجيريا وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ورواندا وأوغندا وموزمبيق وزيمبابوي إلي حد كبير من المشاركة الصينية، حتي أنها تحتل الان مراتب متقدمة بين اقتصادات العالم الأسرع نموا، ولكن دولا أخري من بينها الأربع عشرة دولة تشكل منطقة الفرنك- وكانت اثنتا عشرة دولة منها مستعمرات فرنسية سابقة- تفتقر إلي الاستثمارات الصينية الكبيرة، وتتخلف عن الطفرة الاقتصادية التي تشهدها أفريقيا.
وتتضاعف محنة منطقة الفرنك بفعل السياسات الاقتصادية والنقدية المشوهة والمختلة، ورغم تفوق نمو الناتج المحلي الإجمالي في المجموعة المالية الأفريقية إلي حد كبير علي بقية دول القارة في تسعينيات القرن العشرين، إلا أنه توقف منذ ذلك الوقت، وما زال لزاما علي المجموعة المالية الأفريقية أن تنشئ تعريفة خارجية مشتركة، بينما لا تتجاوز التجارة بين بلدان منطقة الفرنك 12% من إجمالي صادرات وواردات الدول الأعضاء في المجموعة.
وفي هذا السياق فقد كان قرار الإبقاء علي « فرنك » المجموعة المالية الأفريقية مريبا، و« الفرنك » عملة مشتركة قابلة للتحويل الحر ومربوطة باليورو بسعر صرف مبالغ في تقديره بشكل كبير.
وقال سانو مباي في تقريره إن من الأمور الضارة بشكل خاص بمجموعة «الفرنك» احتفاظ فرنسا بنحو 17.7 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي في حساب خزانة خاص بسعر فائدة لا يتجاوز 1.5%، أي أن فرنسا تستخدم الاحتياطيات الأفريقية لتمويل جزء من عجز موازنتها بفائدة ميسرة.
وفي الوقت ذاته تتقاضي البنوك الفرنسية فائدة لا تقل عن 5% إلي 6% علي القروض التي تمنحها للحكومات الأفريقية لتمويل عجز موازناتها، ومع ارتفاع معدل الإقراض التجاري إلي 18%، انخفض الائتمان المصرفي للقطاع الخاص في منطقة الفرنك إلي 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 36.5% في الدول الواقعة في جنوب الصحراء الكبري في أفريقيا و78.9% في جنوب أفريقيا، التي تشكل أكبر اقتصاد في المنطقة.
والآن حان الوقت لكي يكسر زعماء منطقة الفرنك هذه الحلقة ويرسموا استراتيجيات التنمية الوطنية الفعالة لبلدانهم، ويتعين عليهم أن يبدأوا السعي إلي التحرر الكامل من فرنسا، والتخلي عن فرنك المجموعة المالية الأفريقية، وبناء علاقات مع الصين وغيرها من الدول الراغبة في ممارسة التجارة والأعمال ذات المنفعة المتبادلة مع أفريقيا.