انخفاض معدلات النمو وتصاعد مستويات البطالة يدفعان منطقة اليورو إلى تغيير في السياسات باتجاه معاكس للتقشف، وفقاً لتقارير مجموعة QNB. لقد ظل اقتصاد منطقة اليورو يعاني من الانكماش للفصول الستة الأخيرة، وقد قلل هذا الانكماش من فرص إيجاد وظائف جديدة ودفع بمعدل البطالة إلى أعلى، حيث بلغ 12,1% من إجمالي عدد القوة العاملة في مارس 2013. وجاء معدل البطالة أعلى من ذلك بين الفئة العمرية الأقل من 25 سنة بنسبة بلغت 24%، ويعدّ كلا المعدلين المذكورين أعلى نسب بطالة يتم تسجيلها حتى الآن.
وقد تمثل أحد ردود الفعل الرئيسية تجاه الأزمة المالية لعام 2008 وأزمة الديون السيادية الأوربية (التي بلغت ذروتها في صيف 2012) في تنفيذ إجراءات تقشفية على كامل نطاق منطقة اليورو. وترتب على ذلك هبوط حاد في نمو الإنفاق العام من متوسط سنوي نسبته 4,5% خلال الفترة من 2007 إلى 2009 إلى 1,2% للسنوات من 2010 إلى 2013، وهو ما يعني أن ما أضيف لموازنات دول منطقة اليورو خلال الفترة من عام 2010 إلى 2012 بلغ 170 مليار يورو فقط، مقارناً مع 570 مليار يورو للفترة من 2007 إلى 2009، بانخفاض إجمالي مقداره 400 مليار يورو.
وكانت المجالات الرئيسية التي قلصت فيها الحكومات معدلات إنفاقها هي المزايا الاجتماعية ووظائف القطاع العام والأجور والاستثمارات الرأسمالية. وكان للاستقطاعات في مجالي الوظائف الحكومية والاستثمارات تأثير مباشر على النمو والبطالة. وعلاوة على ذلك، فإن خفض المزايا الاجتماعية خلال فترات الضائقة المعيشية يقود في العادة إلى تنامي السخط والاحتجاجات على نطاق واسع. كما أدى ارتفاع معدلات الديون السيادية في أوربا إلى إحباط الإنفاق المعاكس الذي كانت تلجأ إليه الحكومات عادة لأجل إعادة التوازن إلى اقتصادياتها خلال فترات الانكماش. وكانت دفعات فوائد الديون والأصول، التي لا تستحث النمو الاقتصادي، هي المجالات الوحيدة التي حدث فيها ارتفاع في النمو خلال الفترة من عام 2010 إلى 2012 فاق ما كان عليه للفترة من 2007 إلى 2009.
وعليه، فإن السياسات التي اتبعتها دول منطقة اليورو لم تحقق شيئاً يذكر في معالجة تلك المستويات غير المسبوقة من البطالة وضعف النمو بحسب مجموعة QNB. ويفكر المسؤولون الآن على نحو متزايد في تغيير السياسات المتبعة بالمعكوس. وقد تم سلفاً تأجيل التواريخ التي كان قد تم تحديدها لإحداث خفض في عجوزات الميزانيات لأقل من سقف محدد في كل من فرنسا وإسبانيا وهولندا. وقال رئيس المفوضية الأوربية، جوس باروسو، في أبريل الماضي بأن أوربا ربما وصلت إلى الحدود القصوى المقبولة سياسياً من مستويات التقشف، هذا بالرغم من قوله بأنه لا يزال يرى حاجة لبعض التخفيضات في عجوزات الميزانيات. وقد جاء هذا التصريح من قبل المفوض الأوربي متوافقاً أكثر مع رأي صندوق النقد الدولي الذي حذّر صناع القرار في منطقة اليورو من الالتزام المتشدد باستهداف عجوزات الميزانيات لأن ذلك يثير مخاطر تعميق الانكماش الاقتصادي في أوربا.
انخفضت عجوزات الميزانيات من 6,4% من النتاج المحلي الإجمالي في عام 2009 إلى 3,7% في عام 2012. وقد ارتفعت الديون الحكومية حالياً في منطقة اليورو من 80% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 إلى 91% في عام 2012. وبالرغم من أن مستويات الدين لا تزال في تصاعد، إلا أن هناك مساحة للمناورة. فزيادة الإنفاق من خلال التمويل بالدين في المجالات الداعمة للنمو، مثل الاستثمارات أو الإنفاق الاستهلاكي، بإمكانها أن ترفع العائدات وتدفع لمزيد من الاستثمارات، وهو الأمر الذي يساعد على خفض الديون في المدى الطويل. وقد عمدت الدول المثقلة بالديون في الماضي إلى زيادة معدلات إنفاقها وأظهرت نمواً قوياً كوسيلة لسداد الديون. وقد كان لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الخمسينيات ديون تزيد عن 100%، إلا أن ارتفاع الإنفاق أعطى دفعاً قوياً لمعدلات النمو في البلدين وساعدهما على خفض ديونهما إلى مستويات مقبولة.
كما يمكن لخفض درجات التقشف في بعض الدول الأكبر في أوربا أن يساعد أيضاً في خفض معدلات البطالة عبر المنطقة، وخاصة إذا صاحبت ذلك إصلاحات تؤدي إلى تسهيل حركة العمالة داخل الإتحاد الأوربي.
إلا أن إجمالي مستويات الدين في منطقة اليورو يغطي على صورة أكثر دقة بين الدول الفردية بسبب التفاوت الكبير في مستويات البطالة والدين بين هذه الدول. فالبطالة في الدول غير الأساسية في منطقة اليورو (إيطاليا وإسبانيا واليونان وأيرلندا والبرتغال وقبرص واستونيا وسلوفاكيا وسلوفينيا) تبلغ نسبتها 17,7%، بينما تبلغ البطالة في الدول الأساسية (ألمانيا وفرنسا والنمسا وبلجيكا وفنلندا ولوكسمبيرج ومالطا وهولندا) نسبة 7,6%.
لدى كل من اليونان وإيطاليا والبرتغال وأيرلندا مستويات ديون بحدود 120% من الناتج المحلي الإجمالي أو أكبر، وهو ما يجعل فرصها اقل في خفض مستويات التقشف. واليونان هي الأسوأ من بين هذه الدول بمعدل بطالة يبلغ 27%، و 66% بين الفئة العمرية الأقل من 25 سنة، بينما تبلغ ديونها نسبة 157% من الناتج المحلي الإجمالي (بالرغم من أنها آخذة في الانخفاض). وبالعكس من ذلك، فإن إسبانيا، الدولة الأخرى التي لديها أزمة بطالة مزمنة (27% و 56% بين الأقل من 25 سنة)، لديها فرصة لمزيد من الاقتراض لتوفير دعم حكومي أكبر للاقتصاد. وإضافة لسياسات أكثر تركيزاً على النمو، ترى مجموعة QNB أن هناك حاجة لإصلاحات هيكلية لسوق العمل. ويمكن لعوامل مثل الاستثمار في برامج إعادة الناس إلى العمل، وتعديل تكاليف العمالة، وتحقيق مزيد من المرونة في سوق العمل أن تساعد في هذا الخصوص. وتصبح الحاجة أكبر لمثل هذه السياسات في البلدان التي لديها معدلات بطالة أكبر مثل اليونان وإسبانيا.