يعبر سعر الصرف عن عدد وحدات العملة الأجنبية التي يمكن مبادلتها بوحدة واحدة من العملة المحلية وهو يلعب دوراً مهماً في مستوي القدرة التنافسية لمنتجات الدولة حيث يتحدد سعر صرف عملتها من خلال العرض والطلب عليها كما أن سعر الصرف مقياس للأداء الاقتصادي في مصر وبتتابع التطورات السياسية والاقتصادية بها نرصد اتجاه سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي وبالطبع مقابل العملات الأجنبية للانخفاض ويعود ذلك للعديد من الأسباب منها:
– الضغوط الشديدة علي عمليات الاستيراد مع تباطؤ عجلة الإنتاج أمام الوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية.
– الرغبة الملحة لدي كثير من المصريين للاحتفاظ بقيمة ثرواتهم من الانخفاض من خلال ما يعرف بعملية الدولرة والتي تمثلت في زيادة الرغبة في الاحتفاظ بالدولار الأمريكي كمخزن للقيمة.
– انخفاض العائد من السياحة بالإضافة للاستثمارات الأجنبية المباشرة مما ترتب عليه انخفاض الطلب علي الجنيه المصري.
– انخفاض التصنيف الائتماني لمصر إلي « +CCC » ويعني التعرض لبيئة تجارية واقتصادية ومالية غير مستقرة مع تحكم تلك الظروف في القدرة علي سداد الالتزامات المالية، الأمر الذي رفع من تكلفة الاقتراض من الخارج وزيادة شروط الاقتراض وأثر علي قدرة مصر من الاقتراض من الأسواق الدولية.
– فشل الحكومة المصرية حتي الآن في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول علي قرض الصندوق والذي كان من شأنه إضعاف ثقة المستثمرين الأجانب والمانحين الدوليين والتعسف في فرض الشروط وتكاليف الاقتراض من الخارج، كما سيؤدي لهروب المستثمرين الحاليين من مصر وتعقيد عمليات الائتمان والتسهيلات المنوحة من البنوك الأجنبية للبنوك المصرية.
– تلزم إجراءات صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية باتخاذ العديد من الإجراءات من أجل منح القرض «إجراءات اثبات حُسن النوايا» من بينها «إلي جانب إجراءات أخري منها تحرير التجارة الدولية، إلغاء الإعلانات الحكومية، ترشيد الانفاق الحكومي، زيادة الضرائب، خصخصة مشروعات القطاع العام..»، خفض سعر صرف الجنيه المصري.
وقد تركت كل تلك الممارسات آثاراً سلبية علي الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية المحتفظ بها لدي البنك المركزي المصري وبالتالي عرض الدولار الأمريكي مما تسبب في خلق سوق مواز للصرف الأجنبي « السوق السوداء » سجل فيه سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في بعض الأحيان ثمانية جنيهات/دولار أي بما يزيد علي سعر الصرف الرسمي المعلن من الحكومة المصرية «والمنخفض أساساً» بـ 15%، وللحد من ضغط الطلب علي الدولار وما ترتب عليه من انخفاض سعر صرف الجنيه المصري وانخفاض الاحتياطي النقدي بالدولار الأمريكي اتخذ البنك المركزي المصري العديد من الإجراءات منها:
– رفع سعر الفائدة المحلية علي الجنيه المصري ما أدي لإقبال المؤسسات والأفراد لبيع ما لديهم من أرصدة العملات الأجنبية وتحويلها للجنيه المصري للاستفادة بفروق أسعار الفائدة.
– إجراءات البنك المركزي المصري للحد من ضغط الطلب علي الدولار الأمريكي وهي ما عرفت بـ « FX Auction » حيث فرضت ضريبة إدارية قدرها يتراوح ما بين 1 و2% علي مبيعات الدولار الأمريكي بالبنوك المصرية «وقد تم إلغاؤها لاحقاً»، تم خفض حيازة البنوك من الأرصدة الدائنة بالدولار الأمريكية من 10% من رأسمالها إلي 1% من رأسمالها، تقييد حد سحب العملاء لأرصدتهم من البنوك بالدولار الأمريكي بحد أقصي 30 ألف دولار يومياً، عدم قدرة المسافرين علي حمل أكثر من 10 آلاف دولار أثناء مغادرة الأراضي المصرية.
– الآلية المستحدثة من البنك المركزي المصري بطرح عطاءات للبنوك المحلية بالدولار الأمريكي للحد من نزيف انخفاض الاحتياطي النقدي بالدولار.
ولكن بعد كل هذا، هل يمكن أن يستقر سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي؟ أم يواصل انخفاضه؟، في رأينا الشخصي أن تحقيق مثل ذلك الاستقرار في سعر الصرف يمكن أن يتم حال توافر العديد من الشروط، منها:
– تحقيق قدر من الاستقرار السياسي التوافقي لجذب المستثمرين ودفع عجلة الإنتاج.
– عودة الأمن من جديد لكسب ثقة المستثمرين ودعم السياحة الوافدة من الخارج.
– تطوير منظومة الضرائب من خلال فرض الضرائب التصاعدية وتحصيل المتأخرات الضريبية ومنع التهرب الضريبي.
– البدء في إجراءات ترشيد الانفاق الحكومي من خلال الحد من مكافآت المستشارين وتقليل البعثات الدبلوماسية بالخارج والتي تمثل عبئاً كبيراً علي الدولة حيث يحصل هؤلاء علي رواتبهم بالعملة الأجنبية ومعالجة البيروقراطية والفساد والتي تستنزف موارد الدولة.
– ترشيد الدعم الحكومي الذي لا يصل في أغلب الأحوال لمستحقيه.
– منح رخص جديدة للشركات العملاقة للعمل بمصر بما يترتب عليه زيادة الدخل وخفض معدلات البطالة.
– زيادة الوعي الإعلامي بضرورة تدعيم شراء المنتج المحلي علي حساب المنتج الأجنبي.
– زيادة الاعتماد علي مدخلات الصناعة بما يؤدي للحد من استيرادها من الخارج وتخفيض تكاليف الإنتاج وبالتالي أسعار المنتجات وبالتالي زيادة تنافسية المنتجات المحلية.
– تشجيع المصريين بالخارج علي تحويل دخولهم بالعملات الأجنبية للداخل وفتح آفاق جديدة لهم من أجل الاستثمار.
– زيادة الضرائب علي أرباح البورصة التي تزيد علي مائة ألف جنيه.
– الاقتراض من الخارج علي المدي القصير لتلبية الاحتياجات الأساسية فقط لسد الفجوة بين التصدير والاستيراد.
– إعادة توجيه الطاقات الإنتاجية لتنويع مصادر الدخل بالعملة الأجنبية وعدم الاعتماد فقط علي مصادر الدخل التي تتسم بالتقلب كالسياحة.
– زيادة رفع سعر الفائدة علي الجنيه المصري لكبح جماح الطلب علي الدولار.
إن كل الشواهد تؤكد اتجاه سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي لمزيد من الانخفاض وذلك من شأنه «في الظروف الطبيعية» أن يؤدي لزيادة الدخل من السياحة نظراً لانخفاض تكلفة تلك الخدمة بالنسبة للأجانب، إلا أن تحقق الشروط السابقة قد يترتب عليه الحد من انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار أو علي الأقل ثباته.
دكتور/ طارق سعدالدين عبداللطيف شل
مدير ادارة العلاقات الخارجية بالمصرف المتحد