تزخر مصر بثروة معدنية هائلة من المواد الخام والمعادن والأحجار التي تتواجد في مناطق عديدة من أراضيها وتوفر لها مورداً طبيعياً مهماً وغير ناضب، ما يسمح لها بتوفير إيرادات كبيرة ومستمرة من النقد الأجنبي حال استغلال تلك الثروة الاستغلال الأمثل وإدارة تلك الموارد بالكفاءة المطلوبة، حيث تشير التقديرات إلي أن ما تم استغلاله بالفعل من ثروات مصر المعدنية لا يتعدي 6% فقط.
وقد أُثير خلال الفترة الأخيرة ملف الثروة المعدنية في مصر بعد قيام الحكومة بإحالة قانون الثروة المعدنية الجديد إلي مجلس الشوري لدراسته واتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لإصداره، بغرض الحفاظ علي ثروتنا المعدنية وتعظيم الاستفادة منها وتطوير تلك الصناعة ذات المستقبل الواعد والإمكانيات الهائلة إذا ما أحسن استغلالها.
وكانت قد صدرت عدة قوانين سابقة خاصة بالمناجم والمحاجر وتنظم نشاط استخراج المعادن في مصر هي قانون رقم 66 لسنة 1953، وقانون رقم 86 لسنة 1956، كما صدر قرار رقم 336 لسنة 2004 بتغيير اسم “الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية” لتصبح “الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية” ولتكون مسئولة عن تنمية الثروة المعدنية في مصر وحسن استغلالها.
كما تم أيضاً إصدار قرار رقم 1963 لسنة 2005 بتشكيل مجلس استشاري يتبع وزارة البترول يسمي “المجلس الاستشاري الأعلي للثروة المعدنية” يختص بوضع استراتيجية للثروة المعدنية في مصر.
ولكن : أين توجد بالتحديد النسبة الأكبر من المعادن في مصر؟ وهل هناك تقدير دقيق للكميات المتوافرة والموجودة منها (سواء المستخرجة أو مخزون الاحتياطيات) أو تقديرات لقيمتها المالية؟
في حقيقة الأمر توجد في مصر أنواع متعددة ومختلفة من المعادن يأتي علي رأسها الذهب والنحاس والفوسفات والحديد والمنجنيز والقصدير والكبريت والجبس والجرانيت والرخام وغيرها. وتتواجد معظمها في الصحراء الشرقية وبعض مناطق الصحراء الغربية. إلا أنه لا توجد بيانات دقيقة للكميات المتوافرة والموجودة من تلك المعادن أو قيمتها المالية حيث لا تعدو كونها مجرد تقديرات.
ويعتبر معدن الذهب من أهم المعادن الموجودة في مصر نظراً للكميات الكبيرة المتوافرة منه (يوجد أكثر من 120 منجم ذهب غير مستغل في مصر)، والذي يتركز في ثلاث مناطق رئيسية بالصحراء الشرقية هي منجم السكري، ومنطقة حمش، وجبل وادي العلاقي (يعد منجم السكري واحداً من أكبر مناجم الذهب في العالم من حيث الاحتياطي والإنتاج، وقُدرت قيمة احتياطي الذهب الموجود به حالياً بنحو 20 مليار دولار يتوقع أن ترتفع لتبلغ نحو 50 مليار دولار خلال السنوات القادمة).
كما ترجع أهمية الذهب في مصر لكونه معدناً ثميناً يمكن بيعه بأسعار مرتفعة للغاية سواء في صورة ذهب خام أو سبائك أو ذهب مشغول (أي مشغولات ذهبية مثل السلاسل والأساور والخواتم وغيرها)، خاصة مع ارتفاع أسعار الذهب عالمياً بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يوفر لمصر مورداً مهماً للنقد الأجنبي.
ويُضاف إلي أسباب أهمية الذهب كونه أداة لتكوين الاحتياطيات الأجنبية لدي البنك المركزي المصري، كما يعتبر أداة من أدوات توازن ميزان المدفوعات المصري في حال وجود فائض أو عجز به وذلك من خلال عمليات مبادلة الذهب بين مصر وشركائها التجاريين.
وقد ثار جدل كبير بخصوص ثروة مصر من الذهب خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الإهمال والعشوائية التي تحيط بعمليات التنقيب والكشف عن الذهب وإغلاق العديد من المناجم، وكذا سوء إدارة عملية استخراج الذهب لتسير في طريقها الشرعي الرسمي ولتستفيد منها الدولة وتمثل عوائد حقيقية للدخل القومي (نشرت جريدة الشروق في عددها الصادر في 16 أبريل 2013 تحقيقاً موسعاً عن اكتشاف منجم للذهب في منطقة وادي اللقيطة بمحافظة قنا، تسيطر عليه قبائل من البدو ويحتكرون إنتاجه حيث يديرون صناعة كاملة لاستخراج الذهب الخام وسبكه وبيعه، وفي غيام تاب للأمن أو الحكومة).
ويتسبب هذا الإهمال في إهدار وتسريب ثروة مصر سواء من الذهب أو باقي المعادن وعدم استغلالها بالشكل الأمثل، وفقدان خزانة الدولة لموارد وعوائد كبيرة كانت أحق بها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها مصر حالياً والتي تكون فيها أحوج ما يمكن لتلك الموارد .
والسؤال الأهم في هذا السياق هو : هل تدرك مصر مدي الجدوي الاقتصادية لوجود تلك الثروة المعدنية علي أراضيها (سواء المكتشفة أو التي لم تكتشف بعد) ومن ثم تُحسن بالفعل استغلالها أم لا؟
من الواضح أن الإجابة عن السؤال هي للأسف بالنفي، فقد أهدرنا الكثير من الوقت والجهد في البحث عن حلول لمشاكلنا الاقتصادية منذ ثورة يناير وحتي الآن، والتي كان علي رأسها نضوب موارد النقد الأجنبي (متمثلة في تراجع إيرادات السياحة وتراجع الاستثمارات الأجنبية)، وتراجع الاحتياطيات الأجنبية بشكل كبير ومتواصل، بالإضافة إلي تفاقم عجز الموازنة العامة. وكان سبيل الدولة إلي توفير موارد النقد الأجنبي اللجوء إلي الاقتراض والاستدانة من الدول والمؤسسات الدولية وعلي رأسها صندوق النقد الدولي.
إلا أننا لم ننتبه أو نول الاهتمام الكافي لهذا الكنز الموجود علي أراضينا والذي يمكن أن يغنينا عن القروض، والوقوع في براثن المديونية وزيادة الدين الداخلي والخارجي، وتفاقم عجز الموازنة بشكل أكبر. بل إنه سيوفر لنا أيضاً مورداً للدخل يتسم بالاستمرارية والاستقرار.
ولن تتحقق الاستفادة القصوي من هذه الثروة المعدنية الكبيرة إلا من خلال الاستغلال الأمثل لتلك الثروة والإدارة الكفء لعمليات التنقيب والاستخراج (طالب البعض بضرورة إنشاء وزارة مستقلة للثروة المعدنية) وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال اتباع أحدث وسائل التكنولوجيا في البحث والتنقيب عن تلك المعادن لتحديد أماكنها واستخراجها ثم تصديرها كمواد خام أو تصنيعها في صورة معادن صلبة يمكن استخدامها في عدد كبير من الصناعات.
وهو ما سيؤدي إلي زيادة الاستثمارات التي ستضخ في مجالات الكشف والتنقيب والاستخراج للمعادن، وكذا توفير فرص عمل في المناطق والمحافظات التي تكتشف بها تلك المعادن.
وسوف تكتمل الاستفادة من تلك الثروة بمواجهة المشاكل والمعوقات التي تواجها وأهمها النزاع علي الأراضي الخاصة بالكشف عن المعادن من قبل ساكني تلك الأراضي، وكذلك الاعتصامات والإضرابات من قبل العاملين في شركات الاستخراج للمطالبة بتحسين أوضاعهم أو تعيين أبنائهم.
هذا إلي جانب ضرورة استفادة الدولة قدر الإمكان من التجارب السابقة عند عقد اتفاقيات الكشف والتنقيب عن المعادن في مصر، وتلافي الغبن الذي وقع علي الدولة أثناء إبرام اتفاقيات مع الشركات العالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في مصر واستخراجهما، حيث لم تُمكّن تلك الاتفاقيات الدولة المصرية من الاستفادة كما يجب من هذين الموردين، وكانت تقتصر نسبة الحكومة علي نسبة 40% – في معظم الأحوال – من إجمالي عوائد الاستخراج في حين تذهب النسبة المتبقية إلي الشركات العالمية.
بقلم – خالد حسني مدبولي