العطاءات الدولارية فشلت في الحفاظ علي المستويات المعهودة للجنيه
تراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي وراء خروج الأسعار عن حيز السيطرة
ربما يكون الرئيس محمد مرسي مسئولا بصفة أساسية عن وضع الاقتصاد المصري حاليا بعد سنة مرت علي وجوده في الحكم، لكن مسئوليته عن التراجع القياسي للجنيه أمام الدولار قد تكون محدودة للغاية.
فالمجلس العسكري الذي أدار البلاد لفترة انتقالية دامت 15 شهرا عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك لم يرغب في أن يقال عنه إنه سمح بتراجع الجنيه أمام الدولار في عهده، لذا فقد تبني سياسة الجنيه القوي.
وكلفت هذه السياسة احتياطي البلاد من العملة الأجنبية 21 مليار دولار، مع الفشل في توفير بدائل لتراجع التدفقات الدولارية للبلاد.
وحاول مرسي جاهدا الحفاظ علي نفس السياسة في الشهور الخمسة الأولي من عهده إلا أنه فشل بعد أن انفجرت فقاعة الجنيه في شهر ديسمبر الماضي.
وفقد الجنيه وفقا للأسعار الرسمية 15.8% من قيمته منذ مجيء مرسي رئيسا وحتي نهاية الأسبوع الماضي. إلا أن خسائره في السوق غير الرسمية كانت أكثر فداحة.
وشهدت أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري خلال العام المالي الماضي ارتفاعات قياسية لم يشهدها منذ سنوات طويلة ليرتفع 96 قرشا قافزا إلي 6.99 جنيه للشراء و7.03 جنيه للبيع مع اقتراب نهاية يونيو الجاري مقابل 6.04 جنيه للشراء و6.07 جنيه للبيع في يونيو 2012.
ويرجع الارتفاع السريع في أسعار صرف الدولار خلال العام المالي الماضي إلي عدم قدره الآلية التي كان يعتمد عليها القائمون علي إدارة السياسية النقدية في عهد فاروق العقدة والمجلس العسكري في التحكم في الأسعار من خلال ضخ سيولة دولارية في الأسواق اعتمادا علي الاحتياطي من النقد الأجنبي.
ويعد تراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي ووصولها إلي أدني معدلاتها مع بداية تولي الرئيس محمد مرسي من اهم العوائق التي دفعت الدولار إلي الارتفاع بشكل متوال حيث قفزت أسعار الدولار خلال الستة شهور الأولي عقب تولي محمد مرسي الرئاسة 13 قرشاً لتسجل 6.16 جنيه للشراء و6.20 جنيه للبيع بنهاية ديسمبر الماضي مقابل 6.04 جنيه للشراء و6.07 جنيه للبيع نهاية يونيو 2012.
وعلي الرغم من الارتفاع الذي شهدته أسعار صرف الدولار خلال الستة شهور الأولي إلا انها كانت الأفضل ويمكن وصفها بمرحلة الاستقرار والتفاؤل التي لم تستمر مع اقتراب ذكري ثورة يناير وتجدد الاحتجاجات والتظاهرات مرة أخري وانهيار البورصة وأغلب القطاعات الاقتصادية أبرزها السياحة ما دفع أسعار الدولار إلي قفزة تاريخية خلال شهر يناير لتبلغ الزيادة في سعر صرف الدولار54 قرشا مسجلا 6.70 جنيه للشراء و6.74 جنيه للبيع بنهاية يناير 2013، مقابل 6.16 جنيه للشراء و6.20 جنيه للبيع نهاية ديسمبر 2012، وساهمت بعض إجراءات البنك المركزي في محاولات عديدة لكبح زمام الأسعار لاسيما العطاءات الدولارية التي يطرحها البنك المركزي ثلاث مرات اسبوعية بمتوسط 40 مليون دولار، فضلا عن العطاءات الاستثنائية التي كان يطرحها لتوفير الدولار والحد من المضارت والسوق السوداء التي نشطت في تلك الفترة.
وقالت «هيرميس المالية» في تقريرها الصادر في 21 ابريل الماضي ان العملة المحلية فقدت 8% إضافية من قيمتها في السوق الموازية لها (سوق الصرف) منذ منتصف مارس لتبلغ 7.90، نتيجة استمرار الضغوط التضخمية في مصر.
ومن جانبها أشارت وكالة «موديز للتصنيف الائتماني» في اخر تقرير لها ان الجنيه المصري أصبح ضعيفا بعد سماح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمته منذ يناير الماضي.
ووصلت نسبة ارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري في التعاملات الرسمية منذ قيام ثورة يناير 2011، وحتي فبراير الماضي إلي نحو 20% وبفارق 115 قرشاً حيث بلغ سعر الدولار في 24 يناير 2011 نحو 5.80 جنيه للشراء، و5.82 جنيه للبيع.
قال أحمد الخولي، رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والإسكان، إن ارتفاع أسعار صرف الدولار خلال العام المالي المنتهي في 60 يونيو الجاري هو نتيجة تراجع معدلات الاحتياطي من النقد الأجنبي والتي كان يعتمد عليها البنك المركزي بشكل كبير في التدخل حالات تدني مستويات السيولة الدولارية أو تزايد الطلب عليها بهدف المحافظة علي قيمة الجنيه أمام الدولار.
أضاف أن تراجعات البورصة وتراجع التدفقات النقدية من الدولار نتيجة انهيار بعض مصادر جذب السيولة الأجنبية وعلي رأسها قطاع السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، مؤكدا أن الاضطرابات السياسية وتعدد التظاهرات خلال العام الماضي ضد نظام الإخوان ساهما في تراجع قيمه الجنيه امام الدولار.
ومن جانبه قال وائل زيادة، رئيس قسم البحوث في المجموعة المالية هيرميس، إن التنبؤ باتجاهات أسعار الدولار الفترة المقبلة صعب للغاية في ضوء تلاحق الأحداث وعدم وضوح الرؤية بشأن أحداث 30 يونيو وما يمكن أن تقود الدولة إليه.
أضاف أن تغيير أسعار صرف الدولار امام الجنيه خلال العام الماضي وارتفاعها هو نتيجة لعدم وجود استقرار أو برنامج اقتصادي واضح وتلاحق الأحداث في ضوء تزايد الطلب علي الدولار وارتفاعات الأسعار.
قال فخري الفقي، استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومساعد المدير التنفيذي الأسبق بصندوق النقد الدولي، ان سعر صرف الجنيه المصري بشكل عام يواجه العديد من الضغوط خاصة بسبب الأحداث المتوقعة في 30 يونيو القادم والديون الخارجية المتفاقمة وسياسة البنك المركزي التي تهدف إلي الحفاظ علي قيمة الاحتياطي الاجنبي.
أضاف الفقي ان السياسة النقدية التي كانت متبعة في عهد «فاروق العقدة» محافظ البنك المركزي سابقا، تستهدف سياسة الجنيه القوي ولجوء البنك المركزي إلي زيادة المعروض من الدولارات في الأسواق للحفاظ علي قيمة الجنيه من الانهيار ولكن هذا ادي إلي انخفاض الاحتياطي بنسب كبيرة موضحا ان السياسة النقدية بالإضافة إلي ذلك تركز علي احتواء معدلات التضخم.
و في سياق آخر، اضطرت السياسة النقدية عند تولي هشام رامز إلي الحفاظ علي الاحتياطي النقدي عند مستواه المتدني ليكفي ثلاثة اشهر واردات مؤكدا ان ارتفاعه حالياً إلي 16.03 مليار دولار ليس إيجابيا.
وتوقع الفقي انخفاض سعر صرف الجنيه المصري ليتراوح بين 7.10 – 7.15 في الاسواق الرسمية وان يبلغ 8.00 في السوق السوداء في يوليو واغسطس القادمين مرجعا السبب في ذلك إلي موسم الحج واحتياجات الأفراد إلي الدولار بالإضافة إلي أقساط الديون و مزادات البنك المركزي.
وأشار الفقي إلي انه حال انخفاض سعر صرف الجنيه إلي هذا الحد المتوقع فان الاحتياطي النقدي سيصل إلي 13 مليار دولار وتعمل السياسة النقدية أيضا علي الحفاظ علي هذا المستوي من الاحتياطي.
وأبدي الفقي تخوفه من سداد أقساط الديون إلي قطر والتي بلغت مليارا ونصف المليار دولار والاتفاقية كانت تقضي بفترة سماح 18 شهرا وتسدد علي 5 سنوات موضحا ان سداد القسط الأول حان سداده.
قال محمود سحيم، محلل اقتصاد كلي في شركة القاهرة المالية القابضة، إن وضع الجنيه المصري عند تقييمه لابد من التركيز علي الاحتياطي النقدي الاجنبي، مؤكدا ان ل دور هام في تحديد السياسة النقدية بشكل عام.
أشار سحيم إلي ان الاحتياطي هو سند الجنيه المصري و لكن انخفاضه راجع إلي انخفاض عوائد السياحة و الاستثمار، لذلك السياسة النقدية الجديدة عملت علي الحفاظ علي مستواه ما ادي إلي انخفاض قيمة الجنيه المصري لمستوي 7 و8 جنيهات امام الدولار.
و أضاف سحيم انه في ظل الظروف السياسية الصعبة و التخبط السياسي الموجود حاليا، فانه يصعب التنبؤ بأسعار الصرف في الفترة القادمة.