عندما تنتقل الدولة من كونها ذات دخل منخفض إلي دولة ذات دخل متوسط، تزداد تطلعات الشعب
ماذا يستطيع الغرب أن يفعل الآن؟ فالغرب لا يحتمل سقوط مصر
إن قوة التظاهرات الشعبية جعلت الجيش المصري أمام خيارين إما التدخل لعزل مرسي أو الفوضي، سبعة عشر مليون شخص في الشارع لم يكونوا في مشهد الانتخابات بل كانوا في مشهد رائع يؤكد علي سلطة الشعب.
لم يتمكن مرسي وجماعته الاخوان المسلمون من التحول من كونهم حركة معارضة إلي كونهم الحزب الحاكم، بالطبع تحكم الحكومات اما بشكل سيء أو جيد أو متوسط، ولكن الوضع في مصر مختلفا حيث ان الاقتصاد ينهار واختفي النظام والقانون تقريبا والخدمات لا تعمل بشكل صحيح.
يواجه الجيش الان مهمة وحساسة من قيادة البلاد مرة اخري إلي طريق الانتخابات والعودة سريعا إلي الحكم الديمقراطي، ويجب ان نأمل ان يتمكن الجيش من القيام بذلك دون المزيد من اراقة الدماء، وفي الوقت ذاته يجب ان يدير شخص ما البلاد ويحكمها وهذا يعني اتخاذ بعض القرارات القاسية والتي لا تحظي بشعبية في بعض الاحيان أي أن المهمة ليست بالسهلة.
إن ما يحدث في مصر الان هو أحدث دليل علي التفاعل بين الديمقراطية والاحتجاج وفعالية الحكومة.
الديمقراطية هي وسيلة لتقرير من هم صناع القرار وليست بديلا عن اتخاذ القرارات، انني اتذكر حواراً أجريته مع بعض الشباب المصري عقب الاطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011 بفترة قصيرة، وكانوا يعتقدون انه مع الديمقراطية سوف تحل كل المشاكل، وعندما سألتهم ما هي السياسة الاقتصادية التي ستكون مناسبة لمصر، قالوا ببساطة ان كل السياسات ستكون جيدة لانهم يتمتعون الان بالديمقراطية.
انني مؤيد قوي للديمقراطية ولكن الحكومة الديمقراطية وحدها لا تضمن فاعلية الحكومة، فالتحدي اليوم هو اثبات ما مدي فاعلياتها والا يثور المواطنون حتي انهم لا يريدون الانتظار لاجراء الانتخابات.
عندما تنتقل الدولة من كونها ذات دخل منخفض إلي دولة ذات دخل متوسط، تزداد تطلعات الشعب حيث انهم يريدون خدمات ذات جودة أعلي وسكن افضل وبنية تحتية جيدة ويستاءون إلي درجة الحشد في الشوارع من اي اشارة علي وجود اي عائق لتلك التوقعات، إن التظاهر ليس سياسة ولكن عندما تفتقر الحكومات إلي الحجج التي تدحض بها المحتجين، فانها حينئذ في ورطة كبيرة.
وتفاقمت مشكلة الحكومة في مصر من خلال استياء الشعب المصري من ايديولوجية الاخوان المسلمون وعدم التحمل، حيث وصل الامر بالمواطنين إلي انهم يؤمنون ان الاخوان يفرضون باستمرار مذاهبهم الخاصة علي الحياة اليومية.
ولاول مرة في الشرق الاوسط يكون هناك حوار مفتوح حول دور الدين في السياسة، وعلي الرغم من التنظيم عالي المستوي للاخوان المسلمون، فإن مؤيدي الحكم المدني يشكلون الاغلبية في غالبية دول المنطقة.
ماذا يستطيع الغرب أن يفعل الآن؟ فالغرب لا يحتمل سقوط مصر، وبالتالي يجب أن يتعامل الغرب مع الحكومة القائمة ويساعدها علي اجراء التغييرات الضرورية خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد وبهذه الطريقة سيساعدها في العودة مرة اخري إلي صناديق الاقتراع.
إن التفاعل مطلوب ايضا في أماكن أخري بالشرق الاوسط، فبالنسبة لسوريا إن الأسوأ لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال لأنه سيؤدي إلي تقسيم الدولة إلي دويلات بقيام دولة سنية ضعيفة في الشرق وقد يتولي قيادتها بعض المتطرفين، أما لبنان فسوف يشهد حالة من عدم الاستقرار، وكذلك سيكون شأن العراق كما سيتعرض الأردن إلي ضغوط كبيرة، ولن يكون امام الأسد سوي الاعتماد علي حزب الله وايران.
وبالنسبة لإيران فسوف يحاول الرئيس الجديد التوصل مع العالم إلي اتفاق بشأن طموح إيران النووي ولكنه قد لا ينجح في ذلك، وبالطبع لن يتحمل الغرب وجود إيران نووية،وناهيك عن التحديات السياسية الأخري في ليبيا واليمن وباكستان إلي جانب التطرف الذي بدأ يعمل الآن في شمال أفريقيا وجنوب صحراء أفريقيا وبعض أجزاء أفريقيا الوسطي.
ولكن الخبر السار هو ان هناك الملايين من الاشخاص المتمدنين والمتفتحين في الشرق الاوسط، وهم يريدون ان يشعروا ان الغرب يقف بجانبهم وأنه مستعد لدفع الثمن من أجل ذلك.
بقلم: توني بلير
المصدر: بروجيكت سينديكيت