إن الوضع الاقتصادى كارثى، فالبلد يخسر ما يقرب من مليار جنيه يوميا (عجز ميزانية الدولة فى عام 13/2014)، وحوالى 2 مليار دولار شهرياً من العملة الأجنبية، ولهذا فإن الوضع الاقتصادى الحالى لا يمكن أن يستمر(لقد «استهلكنا» أو «حرقنا» أكثر من 500 مليار جنيه بالإضافة إلى أكثر من 50 مليار دولار فى عامين!). إن المرحلة الانتقالية التى بدأت فى فبراير 2011 ستستمر لفترة أخرى (وأنا لا أتحدث هنا عن الفترة القانونية ولكن عن الفترة التى ستصل بنا إلى الهدوء النسبى)، وهذا يعنى أننا فى حاجة، خلال هذه الفترة، لسياسات مختلفة تماماً عن المألوف (فالحديث مثلا عن جذب الاستثمار بمستويات مرتفعة فى الزمن القصير هو غير ُمجد). إن الدعم العربى فى الآونة الأخيرة يعطينا مهلة عدة شهور بدلاً من عدة أسابيع لاستنفاد أرصدتنا، ولكن دون تطبيق حلول جادة سنعود لما كنا عليه سريعاً.
سألتنى والدتى أخيراً عن حالة الاقتصاد المصرى- علماً بأن اهتمامها الأساسى خارج الشؤون المنزلية هو الزراعة فى «برقاش»- وكان ردى هو أنه لمدة زمنية، نستطيع أن نتفق أو نختلف عليها، إذا لم تروَ هذه الأرض ولم تقَلّم ستبور، مازالت الأرض بعظمتها وكبريائها ولكن فى ظل التردد وارتعاش وشلل الأيادى وارتباك وتخبط القرارات، بارت الأرض لأنها فى حاجة إلى ماء وتقليم وإرادة وخيال..
مقدمة عن «التجريف» و«التسطيح».. ولماذا هذا الخطاب الآن:
1. إن الاقتصاد المصرى فى شكله الحالى أخذ من الاشتراكية أسوأ ما فيها (الشكل دون المضمون)، ومن الرأسمالية شراستها (أدوات السوق دون تطويع).. وصار لدينا عشوائيات فى البناء وعشوائيات فى التفكير.
2. إن أكثر البلدان رأسمالية- الولايات المتحدة الأمريكية- بها بدل بطالة وتأمين صحى وضرائب تصاعدية. كما أن أكثر البلدان على اليسار- كالصين مثلا- بها أسواق مال وعرض وطلب، بعبارة أخرى لا توجد رأسمالية «آدم سميث» ولا يسار «الجامعات والكليات» إلا «أكيد فى مصر»!
3. كما أنه لا يوجد فى مصر فكر اقتصادى يمينى، لأن ما هو أمامى حالياً ماهو إلا مجموعة مصالح لا أكثر ولا أقل، كما أن الفكر اليسارى الاقتصادى لم يتطور منذ الستينيات.. أليس هذا هو «التجريف»؟ أما «التسطيح» فهو القول إن هناك فكرا اقتصاديا إسلاميا! «نخبة» لم تتحمل مسؤولية بلادها فى اللحظة التاريخية.. اللحظة الحرجة بعد سقوط الرئيس السابق «مبارك»، وأخشى أن تكرر «النخبة» بكل فصائلها نفس الأخطاء بسبب ضعفها وارتجالها، كما أنها غير قادرة على إدارة «نقلة» حقيقية فى الاقتصاد المصرى.
4. إن البرامج الاقتصادية للأحزاب الحالية تعكس هذا الوهن فى «النخبة»، كما أن الشباب الثورى- شباب كل الفصائل- فى هذا الوطن هو شباب جسور ورائع، ولكن ليس لديه حتى هذه اللحظة مشروع اقتصادى.
5. إن الفترة الانتقالية بطبيعتها قد تؤدى إلى تأجيل القرارات ورمى كل شىء- بسبب ودون سبب- على «التركة الثقيلة» الموروثة.
6. إن الوقت ليس فى صالحنا لأننا وصلنا إلى حافة الانهيار الاقتصادى، كما أن «إدارة» اقتصاد الوطن لا يمكن أن تكون معتمدة على «شحنة من هنا» و«هبة من هناك». علماً بأن الدعم العربى ضرورى ولكنه لا يمثل حلاً فى حد ذاته. ولأضيف أن حرية حركة «القرار السياسى» فى ظل الاعتماد على هذا الدعم قد تكون محدودة.
7. أخشى أن العجز الاقتصادى خلال الفترة الانتقالية الحالية قد يُعقد الأمور السياسية بشكل كبير، والعودة بنا إلى نقطة «الصفر»! وما أدراك ما «الصفر» فى هذه الحالة !.
هذا هو حال الوطن اقتصادياً: نحن نخسر يوميا مليار جنيه، وشهريا 2 مليار دولار..
1. بطالة.. عاطل فى كل عائلة ومنزل، ومع ارتفاع الأسعار المتتالى الفقر يضرب الغالبية العظمى من الأسر.
2. إن خسارة الدولة (العجز فى الموازنة التى بدأت فى 1/7) ستقترب من مليار جنيه يوميا (300 – 350 مليار جنيه فى العام).
3. حرقنا أكثر من 50 مليار دولار فى عامين ونصف (حوالى1.5- 2 مليار دولار شهريا).. احتياطى نقدى ينفد.. يقترب من الصفر إذا لم نأخذ فى الحسبان احتياطى الذهــب واقتراض البنك المركزى من البنوك المحلية بالدولار، وودائع بعض البلدان الإقليمية- مع العلم أن ودائع هذه البلدان لدى البنك المركزى لا تصنع احتياطياً بالمعنى الحقيقى للكلمة.
4. وبعد أن حرقنا أكثر من 50 مليار دولار، ونفد الرصيد، نحن نذهب إلى دين وراء دين، محلى وأجنبى.. سيؤدى ذلك إلى أن الفائدة على دين الدولة ستقترب من مليار جنيه يومياً (يوم عمل) على الفائدة فقط (200 – 240 مليار جنيه)، ناهيك عن الأقساط ! هذا يعنى أن جزءا كبيرا من إيرادات الدولة، بما فيها قناة السويس والضرائب، ستأكلها الفائدة قبل دفع المرتبات والدعم والاستثمارات. ألم يقابل الخديو إسماعيل موقفا شبيهاً؟
5. عدم عدالة فى توزيع الدخل.. أقل من 1% من المجتمع يمتلك أكثر من الاحتياطى النقدى للبلد عدة مرات.
6. نقص فى المواد والخدمات الأساسية.. بدءاً من أسطوانات البوتاجاز إلى الكهرباء لعدم وجود رصيد مالى.
7. مناخ عام طارد للاستثمار وبنية تحتية من سكك حديد وطرق وكبارى، لا تُطور ولا تُصان.
8. انحدار مستمر فى قيمة العملة.
9. مطالبات بتعويضات مالية بسبب منازعات قضائية عن طريق التحكيم الدولى، والتى قد تنتهى بنا إلى أن ندفع عدة مليارات من الدولارات… نتناسى هذا الملف وكأنه لا يعنينا حتى نفيق يوماً ما وبعض أصول البلد فى الخارج مجمدة !
إن هذا مقال ليس الهدف منه إخافة أحد ولكن وضع حلول أتكلم عنها منذ عامين (برجاء مراجعة عدة مقالات منشورة فى جريدة «المصرى اليوم» فى الفترة من مارس حتى مايو 2011).
أستئذن اليوم، أن ألخص «المشروع» (على وزن «البرنامج» حتى أخفف من حدة هذا الخطاب!) لتحقيق «نقلة» حقيقية فى الاقتصاد المصرى، بصرف النظر عن الأوضاع السياسية وفى ظل المرحلة الانتقالية:
1. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 – 1000 جنيه شهرياً.
2. رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيها شهرياً.
3. دفع بدل بطالة فى حدود 200- 300 جنيه شهرياً إلى حوالى 8 ملايين عاطل.
4. دفع بدل تضخم فى حدود 150 – 200 جنيه شهرياً إلى حوالى 12 مليون أسرة.
5. إلغاء الحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام.
6. تطبيق ضريبة على الثروة لكل من تزيد ثروته على 10 ملايين دولار بنسبة 10- 25%.
7. إلغاء الهدر فى قطاع النفط والغاز فى شكل بيع معظم المنتجات البترولية بالسعر العالمى أو قريباً منه.
8. توفير دعم عينى فى حدود 75 مليار جنيه يذهب لمستحقيه.
9. إنشاء صندوق سيادى لجمهورية مصر العربية.
10. دعم الدول العربية لتمويل خطة متكاملة.
11. إعلاء دولة القانون وعدم التصالح مع الفساد.
12. البدء فى عدة مشروعات قومية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد، مع تسليم قاطنى العقارات عقودا رسمية تثبت ملكيتهم.
13. بعد تطبيق ما سبق بستة أشهر، تخفيض سعر الفائدة على الجنيه المصرى.
كل ما سبق سيخفض خسائر البلد وقد يحولها إلى فائض بعد عدة سنوات، وكيف «تروى الأرض» مع تحقيق عدالة اجتماعية نتحدث عنها كوطن فى «المُبهم»، وبإشارات وتعبيرات رنانة دون أن نترجمها إلى واقع محسوس.
1. حقنة عدالة اجتماعية… ولا للحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام!
إن عدم العدالة فى توزيع الدخل واضح وضوح الشمس، وإذا كنا نطلب من الوطن «التقشف» و«ربط الحزام» فإن الطبقة التى عليها تحمل الجزء الأكبر من التكلفة فيما هو قادم هى الطبقة القادرة وليس الطبقات المطحونة، وهذا لم يحدث بعد، وفى هذا السياق فإنى أقترح:
1- رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900- 1000 جنيه شهرياً.
2- رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيهاً شهرياً.
3- دفع بدل بطالة فى حدود 200 – 300 جنيه شهرياً إلى حوالى 8 ملايين عاطل.
4- دفع بدل تضخم فى حدود 150 – 200 جنيه شهرياً إلى حوالى 12 مليون أسرة.
إن تكلفة ما سبق ستكون فى حدود 100- 120 مليار جنيه سنوياً، والهدف من هذه الجرعة هو أن تتحمل الطبقات الدنيا فى المجتمع موجة التضخم وارتفاع الأسعار، كما أن معالجة ثورة الجوع تكون بتحسين الأوضاع الاقتصادية وليس بالحلول الأمنية فقط.
وقبل أن نتكلم عن حد أقصى للأجور يجب أن نتساءل عما إذا كنا نريد ملكية عامة للدولة فى بعض الشركات والهيئات الاقتصادية أم لا؟ فإذا كانت الإجابة بأن الدولة يجب أن تمتلك عدة شركات أو صندوقا سياديا أوهيئات كقناة السويس مثلاً فكيف نأتمن إدارة أصول للبلد بمئات المليارات على أفراد ليسوا الأفضل فى مجالاتهم لأن فرصة العمل فى القطاع الخاص أو خارج مصر أفضل لهم من الناحية المالية؟! إن تطبيق الحد الأقصى للأجور يعنى ببساطة إهداراً للمال العام لعدم قيام أفضل عناصر مصر خبرة بإدارة شركاتها. مع الأسف، نحن نبدو كوطن «حافظ مش فاهم» نُغلّب «الشكل على المضمون».
2. ضريبة على الثروة والسيدة المحجبة!
لا يوجد تناقض بين مجتمع أسواقه تعمل بشفافية وحرية مع عدالة اجتماعية.. لا يوجد تناقض بين مجتمع يُولِد قادرين على أن يدفعوا التزاماتهم للمجتمع لأنه حق وليس صدقة.. لأنهم جزء من نسيج وطن ولا يجب أن يتحولوا- أو يتاح لهم أن يكونوا- شركاء فى مشروع اقتصادى يستطيعون التخارج منه، (هذا لا يختلف عن سيدة محجبة تؤمن بالله ورسوله وتستمع للموسيقى وتعشق الفن، لا تناقض، الإيمان بالله لا يتناقض مع حب الحياة كما أن تحقيق عوائد مالية للفرد دون فساد لا يتناقض مع العدالة الاجتماعية).
لقد تحدثت فى ذلك مراراً بما فى ذلك محاضرتان فى جامعة «أكسفورد» البريطانية و«هارفارد» الأمريكية، وفى عدة مقالات دولية ومحلية منذ أكثر من عامين ومُلخص ما أطالب به هو تطبيق ضريبة ولمرة واحدة على الثروة «ضريبة (ميدان التحرير)» بنسبة 10 – 25% لكل من تزيد ثروته على 10 ملايين دولار- الحصيلة 5 – 15 مليار دولار. إن ثروات كبيرة فى مصر تم تكوينها دون فساد، لكن بسبب طبيعة تكوينها لم تدخل الأرباح والتوزيعات على الأسهم فى الوعاء الضريبى. وفى تقديرى- مع العلم بأنه لا توجد قاعدة بيانات واضحة فى هذا الشأن- فإن أغنياء مصر لم يدفعوا أكثر من 1 إلى 2% من دخلهم السنوى الإجمالى فى حين تدفع الطبقة المتوسطة 20-25%. إن الهدف من هذه الضريبة بجانب الحصيلة هو إرساء مبدأ العدالة وحماية نسيج المجتمع، حيث إن 99.9% من المصريين لن تنطبق عليهم هذه الضريبة، أليس هذا أفضل من الاقتراض؟
وقد يرى البعض أن تطبيق ضريبة ولمرة واحدة يخلق سابقة خطيرة، أو أنه حل راديكالى أكثر من اللازم أو يبدو كأننا نطبق بأثر رجعى، ولذلك فمن الممكن تطوير هذه الفكرة لتصبح 2- 3% سنوياً (شبيهة بالزكاة) تطبق بنفس الطريقة السابقة، وفى هذه الحالة نحصل على ضريبة سنوية متكررة وعائدها على المدى الطويل أكبر من تطبيقها لمرة واحدة. وفى هذا الصدد يجب أن يتم تطبيق ضرائب على أرباح وتوزيعات البورصة. أرجو ألا يتعلل أحد بصعوبة التنفيذ لأنه بنفس المنطق ما كانت «30/6» لتنجح.
3. وقف الهدر فى قطاع النفط والغاز المسمى دعماً.. 18/19 يناير 1977 مازالت فى الأذهان
يجب بيع الغالبية العظمى من المواد البترولية بالسعر العالمى (إن دولة ليست لديها احتياطيات نفطية كبيرة لا تستطيع أن تتعامل مع النفط والغاز بهذه الطريقة لأنها سلعة استراتيجية وحيوية وناضبة) على أن يستفيد من الدعم مستحقوه فى حدود 50 – 75 مليار جنيه عن طريق دعم قمح الخبز وأسطونات البوتاجاز وبعض وسائل النقل، الحصيلة (وفر): 150 مليار جنيه سنوياً. إن ما يحدث هو هدر وليس دعما؛ حيث إن كل الدراسات والدلائل تؤكد أن معظم هذا الهدر يستفيد منه الطبقات الأفضل حالاً فى المجتمع. وأؤكد هنا أن توفير بدل البطالة وبدل تضخم لـ80% من المجتمع سيجعلهم فى وضع أفضل حتى بعد الزيادة فى الأسعار، خاصة إذا تم توزيع الدعم فى شكل عينى (عن طريق بطاقات ذكية).
وينبغى أن أضيف هنا أن دعم الصناعة والسياحة لا يجب أن يكون فى شكل دعم للطاقة ولكن فى تحسين شبكة الطرق والمرافق، المطارات والموانئ، إلخ… كما أن دعم الزراعة يكون عن طريق وضع سياسات طويلة الأجل للمدخلات وأسعار بيع المحاصيل ليستطيع الفلاح أن ينظم إنتاجه.
والسؤال الذى يتبادر للأذهان هو: لماذا لم تقم حكومات متتالية فى آخر 10 سنوات بمعالجة هذا الاختلال؟ الكل كان خائفاً لأن أحداث 18 و19 يناير 1977 ما زالت تمثل عقدة لأجيال كثيرة لأنه فى ذلك اليوم تم رفع الدعم فثارت الناس؛ لأن الحكومة لم توفر لمستحقى الدعم أى غطاء لمواجهة ارتفاع الأسعار. السؤال لا يجب أن يكون: هل الأسعار سترتفع أم لا؟ ولكن: هل الطبقات المعنية كلها أصبحت أفضل حالا بسبب بدل التضخم وبدل البطالة بعد رفع الأسعار أم لا؟
4. الاقتراض من صندوق النقد.. ودائع قطر (بالأمس) أو السعودية (اليوم).. يعنى «شُـكك» ولكن ماذا عن سعر الفائدة على الجنيه؟
هناك فرق جوهرى بين الاقتراض لتمويل مشروعات، وهو أمر محبذ، والاقتراض لتغطية خسائر، وهو أمر غير حميد، وإذا كان الاقتراض لاعتبارات السيولة النقدية فأرجو أن يرافق ذلك خطة للتحول من الخسائر إلى الأرباح. فالدين مذلة بالنهار وهمّ بالليل! وفى هذا السياق أريد أن أؤكد أن قرض صندوق النقد الدولى أو ودائع قطر أو ليبيا فى النهاية قروض.. ديون، كما أن الصكوك الإسلامية أيضاً دين ولكن بتغليف دينى! لقد «حرقنا» أكثر من 50 مليار دولار فى عامين ونصف العام، وبعد أن نفد الرصيد نذهب إلى دين وراء دين، فمتى تنتهى هذه الحلقة المفرغة؟
إن الدين الحكومى سيكلفنا مليار جنيه فى كل يوم عمل فى شكل فائدة فقط، ناهيك عن الأقساط! كما أن الدين الأجنبى شاملاً الهيئات الاقتصادية تعدى 50 مليار دولار، أى أنه فى عامين، لم نحرق فقط 40 مليار دولار من الاحتياطى (المعلن وغير المعلن) ولكن أضفنا مديونية على البلد بحوالى 500 مليار جنيه و10 مليارات دولار، سأكرر ما أقوله بعبارة أخرى: عجزنا فى عامين هو حوالى 50 مليار دولار من العملة الأجنبية و500 مليار جنيه فى شكل «شُكك» على الحكومة، (أليس هذا هو العبث؟).
وجزء من المشكلة هو أن سعر الفائدة على الجنيه هو حوالى 13- 14%. فإذا خُفضت الفائدة إلى 7% وفرت الدولة 100 – 120 مليار جنيه سنوياً، والسؤال هنا هو: كيف نستطيع خلال 6 – 12 شهراً أن نُخفض سعر الفائدة على الجنيه مع العلم أن بقاءه فى الزمن القصير مرتفعا ضرورى لمواجهة التضخم والحفاظ بقدر المستطاع على قيمة الجنيه المصرى. إننا نستطيع الوصول لهذا الهدف إذا خلقنا المناخ الصحى، وطبقنا هذه الحزمة المتكاملة من السياسات وتسلحنا بالعلم والإرادة وبعض الخيال.
5. دعم الدول العربية… نعم ولكن!
يجب اعتماد خطة مالية حقيقية ومتناسقة وتقديمها إلى الدول العربية للحصول على الدعم.. يجب أن نذهب إلى العالم العربى لنطلب، مرة واحدة، دعم الخطة والميزانية.. هناك فرق بين التسول كل شهر والدعم فى ظل خطة لتقدم مصر. إن المبلغ المطلوب يجب أن يكون فى حدود 50 مليار دولار من العالم العربى وعلى الأقل 25 مليار دولار من الغرب وآسيا، إن «الشحنات» و«الودائع» ليست حلاً، لكنها مخدر لن يدوم طويلاً مع عرفان وتقدير كل مصرى لما تقوم به بعض البلدان العربية لمساعدة مصر. أود أن أشير هنا إلى أن الدعم الحقيقى هو المنح، أو «الشُحنات»، أو المشاريع. أما الدعم «الناعم» فهو الودائع، ولى تساؤل هنا وهو: هل تستطيع مصر الدولة، فى هذه اللحظة، أن تعادى «قناة الجزيرة» بطريقة حقيقية مثلاً فى ظل وجود ودائع قطرية بـ8 مليارات دولار؟! مع الأسف.. إن «القرار السياسى» قد يكون محدود الحركة بسبب «ضرورات اللحظة».
6. إنشاء صندوق سيادى لجمهورية مصر العربية
الاقتراح هنا هو إنشاء صندوق سيادى يجمع جميع شركات القطاع العام، والهيئات الاقتصادية الحكومية وجميع أراضى الدولة تحت مظلة واحدة، على أن يدار من مجموعة من أفضل الكوادر المالية والصناعية والتجارية، لأن من سنأتمنهم على إدارة صندوق سيادى قيمته مئات المليارات من الأصول يجب أن يكونوا على الكفاءة والنزاهة المطلوبة لتحمل هذه المسؤولية. كل هذه الموارد المتاحة فى هذا البلد، «عبقرية المكان»… كيف لا نستطيع أن نستغل موارده؟ إن وزير الكهرباء، مثلا، لا يجب أن يكون مسؤولا عن ملكية شركات الكهرباء ولكن عن السياسة العامة للكهرباء.
7. دور الدولة وإعلاء دولة القانون.. ولا للتصالح مع الفاسد
إن أى بلد فى العالم النامى لم يتقدم إلى الأمام اقتصادياً إلا باستثمارات خارجية.. من الصين إلى البرازيل مروراً بالهند وجنوب أفريقيا وتركيا.. والسبب فى ذلك ليس تقليلاً من شأن الاستثمار المحلى ولكن، ببساطة، إن حجم المدخرات المحلية لا يكفى لتحقيق النمو المطلوب لنقل البلد من العالم الثالث إلى الثانى.هذه الفجوة يجب تغطيتها- فى حالتنا- عن طريق استثمارات عربية وأجنبية (وبالطبع بجانب ما هو متاح محلياً لأنه إذا لم يستثمر المصريون فى بلدهم لا يمكن أن يقتنع غير المصريين). إن قدرتنا على جذب الاستثمارات فى الوقت الحالى غير متوفرة، والحديث عنها عبث ولكن يجب وضع البنية التحتية لتسهيل جذب الاستثمار فى بداية مرحلة ما بعد الانتقالية. ما يمنع جذب الاستثمار بخلاف الوضع السياسى هو غياب القانون والتنكيل بالمستثمرين والتشهير بهم وتغيير القواعد والسياسات بشكل عشوائى والإجراءات الروتينية والبيروقراطية، وفى هذا السياق فإن جذب الاستثمار لمصر يتطلب:
أ. أن تحدد الدولة سياسات طويلة الأجل تتعلق بالضرائب وأسعار الطاقة وحقوق العمال والزراعة (نوعية المحاصيل والعوائد المرتبطة بها).. إلخ.
ب. القيام بعدة مشروعات قومية كتنمية محور قناة السويس، إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد، وحل مشكلة أطفال الشوارع بشكل تنموى، وإعادة النظر بشكل كامل فى الخريطة الزراعية وكذلك معالجة انتشار الفشل الكبدى (فيروس سى) لـ10% من المواطنين، إلخ.. (ملاحظة: نستطيع أن نتفق على عناوين للمشروعات ولكن نختلف من «الباء إلى الياء» فيما يتعلق بحقيقة وتفاصيل هذه المشروعات- نتفق فقط على العنوان: «الألف»! فالموضوع ليس العنوان ولكن تفاصيله).
ج. إيجاد طريقة قانونية للتعامل مع البلاغات الكاذبة؛ بحيث يعاقب مقدم البلاغ فى حالة الكذب، حيث إن كثيرا من البلاغات المقدمة والتغطية الإعلامية المرتبطة بها يؤثران بشكل سلبى على المناخ الاستثمارى فى مصر.
د. إصدار قانون يحمى موظفى الدولة من الأخطاء الناشئة عن سوء التقدير حتى تحرر الأيادى المشلولة والمرتعشة لأنه لا يُعقل أن كل موظف فى الدولة خائف وبحق أن يوقع على ورقة. لست دارساً للقانون ولكن يجب حماية الأخطاء التقديرية لأنها يجب أن تحدث وإلا لن يتخذ أى قرار خوفاً من الخطأ كما حدث فى آخر عامين.
هـ. إعلاء دولة القانون.. وفى هذا السياق أود أن أقول إننى لست من مؤيدى التصالح مع فاسد على أن تكون التحقيقات والاتهامات والإدانات مرتبطة بالوقائع والحقائق، وليس بأمور أخرى، وإذا قرر الوطن التصالح فيجب وضع إطار قانونى وقواعد لعمليات التصالح حماية للوطن وللمفاوض الحكومى.
الخاتمة.. العنف…فساد العقل.. المستقبل
الشعب الذى يريد تغيير النظام، يريد تغيير طريقة عقيمة فى التفكير (أسميها فساد العقل) الموضوع ليس موضوع يسار أو يمين، أصالة أو معاصرة، إسلامى أو مدنى،… ولكن هو احترام لعقول الناس.. عقول بشر.. احترام لنبض وضمير أمة. إن الطفل المحروم والمهمش الذى يمر أمام سيارة ويأخذ قطعة حجر من الأرض ليخدش السيارة قد أخطأ قانونياً، ولكن من منطلق اجتماعى يعبر عن عدم العدالة والحرمان، الأمر يبدو لى مختلفاً.
إن الطبيعة الإنسانية ليست عنيفة بطبيعتها، العنف يتولد عندما لا تتلاقى التطلعات والآمال مع الواقع وعندما تُغتال الأحلام، ودون تحسن الأوضاع الاقتصادية بعملية جراحية متكاملة فإن المستقبل الاقتصادى متوسط الأجل شديد الخطورة.
فى النهاية أود أن أؤكد أنه بالرغم من «تجريف» و«تسطيح» الأرض، سيبقى للأرض كبرياؤها.. سيأتى يوما- إن شأءالله قريبا- تستعيد «ريادتها».
* المقال للخبير الاقتصادي حسن هيكل وتنشر بالاتفاق مع المجموعة المالية هيرميس