عندما يتراجع بطل عدَّاء عن أفضل مستوياته، يستغرق الأمر بعض الوقت لتحديد ما إذا كان أداؤه ضعيفاً بشكل مؤقت أم أنه فقد مهاراته بصورة دائمة، وينطبق هذا الأمر علي الأسواق الناشئة، التي تعد عداءة الاقتصاد العالمي للقرن الواحد والعشرين، فبعد عقد من النمو السريع المفاجئ، حيث إنها أدت إلي طفرة عالمية وساعدت بعد ذلك الاقتصاد العالمي علي المضي قدماً في مواجهة الازمة العالمية، تباطؤ نمو عمالقة الاسواق الناشئة بشكل حاد.
سوف يحالف الصين الحظ اذا تمكنت من تحقيق الهدف الرسمي للنمو بنسبة 7.5% هذا العام، وتعد معدلات النمو في الهند التي تبلغ 5% ونحو 2.5% في البرازيل وروسيا بالكاد نصف معدلات النمو في ذروة طفرتهم، وقد تتطابق وتيرة نمو الأسواق الناشئة هذا العام مع العام الماضي بنسبة 5%، ما يعد نموا سريعا مقارنة بالنمو البطيء للدول الغنية، لكنه يعد ابطأ توسع للاقتصادات الناشئة منذ عقد عدا عام 2009 عندما تعرضت الدول الغنية لأزمة اقتصادية.
هذا يمثل نهاية درامية للمرحلة الاولي من عصر الاسواق الناشئة الذي شهد مثل هذه الاقتصادات تقفز من كونها تمثل 38% من الناتج العالمي إلي 50% قياسا علي تعادل القوة الشرائية علي مدار العقد الماضي، سوف تستمر الاقتصادات الناشئة في النمو خلال السنوات العشر المقبلة ولكن بشكل تدريجي، قد يكون من السهل معالجة التأثير المباشر لهذا التباطؤ، لكن تأثير هذا التباطؤ علي المدي الطويل علي الاقتصاد العالمي سوف يكون عميقا.
في الماضي، كانت فترات الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الاسواق الناشئة يليها تدهور، وهناك اسباب عديدة تجعلنا نقلق من حدوث مثل هذا التدهور خاصة مع مخاطر المزيد من التباطؤ القاسي في الصين أو التشديد المفاجئ للسياسة النقدية العالمية، ولكن تدهور الاسواق الناشئة هذه المرة يبدو مستبعداً.
فالصين في خضم تحول خطير من النمو الذي يقوده الاستثمار إلي نموذج آخر اكثر توازنا يقوده الاستهلاك، حيث ادي النمو السريع في الاستثمار إلي وجود الكثير من الديون المعدومة ولكن الحكومة المركزية لديها القوة المالية التي تمكنها من امتصاص الخسائر وتحفيز الاقتصاد إذا لزم الأمر، وهذه ميزة لا يتمتع بها سوي عدد ضئيل جدا من الاقتصادات الناشئة، ما يجعل احتمالية حدوث الكوارث اقل، ونظرا لان الاقتصادات الغنية في العالم لاتزال ضعيفة فإن فرص تشديد السياسة النقدية بشكل مفاجئ ضئيلة، وحتي لو فعلوا ذلك فإن غالبية الاقتصادات الناشئة ستتمكن من التصدي لهذا التشديد في السياسة النقدية بشكل أفضل من أي وقت مضي مع اسعار صرف مرنة وادخارات ضخمة من احتياطيات النقد الأجنبي ومعدلات ديون أقل نسبياً.
هذه هي الأخبار الجيدة أما الأخبار السيئة فهي ان ايام النمو بسرعة قياسية قد ولت، فالنموذج الاقتصادي الذي يقوده الاستثمار والصادرات في الصين لم يعد مجدياً لان سكانها يشيخون بسرعة وسينخفض عدد العمال بالبلاد، ونظرا لانها اكثر ازدهاراً فأمامها مجال اقل للحاق بركب الاقتصادات المتقدمة، فمنذ عشر سنوات كان الناتج المحلي الاجمالي لكل شخص في الصين قياسا علي تعادل القوة الشرائية 8% من الناتج المحلي الاجمالي لكل شخص في امريكا، لكن هذه النسبة بلغت الآن 18%، فالصين سوف تستمر في اللحاق بالركب ولكن بوتيرة أقل.
تباطؤ نمو الصين من شأنه ان يعيق نمو عمالقة البلدان الناشئة، فالنمو السريع في روسيا جاء نتيجة ارتفاع اسعار الطاقة الذي كان يقوده نمو الصين، كما انطلقت البرازيل قدما بمساعدة طفرة السلع والائتمان المحلي، لكن النمو البطيء والتضخم الذي تعانيه البلاد يدل علي ان سرعتها الاقتصادية اقل بكثير مما اعتقده العديد من الناس، والامر نفسه ينطبق علي الهند التي لن ترتفع معدلات نموها مرة اخري دون القيام بإصلاحات جذرية.
هذا التباطؤ العظيم يعني أن الاقتصادات الناشئة المزدهرة لن تعوض بعد الآن ضعف النمو في الدول الغنية، ودون انتعاش الاقتصاد الامريكي والياباني أو تعافي منطقة اليورو، لن ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة اسرع من تلك الوتيرة الباهتة التي ينمو بها اليوم بنسبة 3%.