ان المجتمعات الإنسانية منذ بدء الخليقة ترتكز علي العمل والإنتاج وفي هذا حثنا وأمرنا الله عز وجل علي العمل وتعمير الأرض دينيا وإجتماعيا وإقتصاديا، فأصبحت تُقاس رُقي وتقدم الأمم بمدي التطور والتنظيم والعلم بها. فقد جاءت علي مر العصور أزمنة وأوقات تغيرت فيه المفاهيم والمعتقدات السائدة من خلال ثورات فكرية ومجمتمعية ساهمت في تطوير هذه المجتمعات مثل الثورة البلشوفية الروسية والفرنسية قبلها والأوكرانية والبولندية والرومانية والهندية والماليزية وهكذا.
في مصر، وبعد إطلاق شرارة التغيير في يناير ٢٠١١، تطلع المصريون الي غد أفضل يتم فيه تغيير العقول والمفاهيم المستكينة وليس تغيير أفراد بعينهم. كانت الدعوة للتغيير تشمل كل طوائف الشعب الذي إستجاب بشكل يشبه الإجماع علي هذه الضرورة.
إلا أن بعد مرور الوقت تلاشت الرغبة في التغيير في المفاهيم وظهرت التطلعات الشخصية والفئوية ثم تطور في خضم هذا المعترك الي عراك سياسي فوضوي علي السلطة والذي أخذ شكل “العجل وقع هاته السكينة” من تيارات مختلفة مفتته كلا منهم يزعم أغلبيته.
تناسي جموع الشعب فكرة التغيير والتطوير والعمل والإنتاج تحت ذريعة ان التغيير يجب ان يتم أولا ثم نعمل…كيف تغير بدون عمل وتنظيم؟!
واصبح نظرة الناس للعمل والإنتاج أصبحت لاترقي “للأولويات القصوي للوطن” والتي أجد في تلك دعوة الي التراجع والتخلف ونقص وارتداد عن مبدأ التغيير الذي تفاعلت معه جموع الشعب.
وبدون الدخول في من المتسبب في هذه الردة، الا انني أجد النظرللمستقبل بواقعية هو الأجدي للمناقشة والتحاور عن التحدث من الماضي. الدفع بالإقتصاد الي الأمام يجب ان يكون الأولوية القصوي، حتي نستطيع ان نحقق الأهداف المرجوة من التغيير المرتقب من عدالة إجتماعية قائمة علي العمل وتقديسه والإرتقاء مستوي المعيشة لكافة أطياف الشعب، تطوير التعليم العصري وتوفيره بمستوي راقي الي كافة أفراد الشعب بناءا علي منظومة متكاملة.
السؤال هنا هل يمكن ان نعمل في ظل مايحدث من إنفلات أمني غير مبرر وبلطجة لايعلم أحد من محركها – وان كنت اقول ان محركها هي الفوضي في الأداء والتفكير؟!…الاجابة من وجهة نظري نعم والف نعم…في ظل الحروب العالمية، كانت البلاد تعمل بأقصي طاقاتها وتعمل علي البحث العلمي والتطوير. كانت تعمل في ظل قيادة قوية قادرة علي دفع عجلة الانتاج تحت كافة الأنظمة السياسية والإقتصادية المتنوعة.
مصر، وهي البلد التي طالما كانت تستنزف مواردها من الإستعمار المختلف، لها مقومات إقتصادية وبشرية وجغرافية هائلة إذا ما أُحسن تنظيمها واستغلالها وإداراتها، فيمكن لها ان تصبح من أكثر الدول سريعة التطور والنمو مثل البرازيل والهند وروسيا.
لذا اناشد الحكومة الحالية – وان كانت إنتقالية – ان تبدأ فورا في وضع خطط وتصورات مستقبلية عن كيفية استغلال وإداراة هذه الموارد ووضع مصر علي طريق التنمية السريع.
هذا مطلب وطني لايخدم سُلطةٍ ما أو تيارٍما وإنما يخدم المصريين كافة. هذا هدف قومي يجب ان يلتف حولة المصريين كافة بغض النظر عن انتماءتهم الفكرية والعقائدية.
وأقترح في هذا الصدد، إنشاء مجلس إقتصادي أعلي مُشَكّل من خبراء مصريين من الداخل والخارج يُشهد لهم الكفاءة والوطنية – طبقا لمجموعة معايير للاختيار واضحة وشفافة – يعمل علي وضع تصورات عن مصر المستقبل حتي عام ٢٢٠٠ علي آن يكون تبعيته للبرلمان. يصدر توصياته وتوجهاته بالتعاون مع الحكومة والبرلمان علي ان تكون قراراته ملزمة للحكومة لتوفير الأطر القانونية والتنفيذية والمالية لتنفيذ هذه التوجيهات. ويراعي في وضع هذا التصور التغييرات الديموغرافية والإقتصادية والميزات التنافسي لمصر في ظل مواردها الطبيعية وكذلك المنافسة العالمية.
هذا التصور جدير ان تستعيد به مصر مركزها علي خريطة العالم إقتصاديا وسياسيا. كما سيبعث برياح الثقة والأمل في الإقتصاد المصري لِمَ طرأ عليه من تغيير حقيقي ويعطي للمصريين فرص للإستثمار الحقيقي في بلادهم طبقا لرؤية مستقبلية وخطة علمية وعملية ممنهجة في التنفيذ .
يجب البدء في العمل في هذا المقترح فورا دون أي إعتبارات سياسية وطبقا لجدول زمني محدد ومهام وأهداف واضحة.
وفي هذا الصدد، أقترح بعد النقاط الإسترشادية والتي أري ان تُتَضمن في رؤية المجلس المقترح علي النحو التالي:
١- التعليم:
تطوير المُعلم علميا وماديا ونفسيا
تطوير المناهج بحيث تعمل علي تطوير العقل والقدرة البحثية والمنهجية في التفكيروالحث علي روح العمل والمشاركة الفعالة
شرح ونشر تعاليم الدين المعتدل والتهذيب بالمفاهيم الصحيحة
تطوير البحث العلمي لما يتاسب مع المتطلبات المحلية والعالمية
تطوير المؤسسات التعليمية والبحثية والتدريبية بما يتناسب مع ظروف العصر ومتطلباته
٢- الصحة:
نشر التوعية الصحية للكافة
الصحة الوقائية للكافة
منظومة توزيع وإنتاج الأدوية
تطوير الخدمة الصحية والمستشفيات
تطوير وتطبيق نظام التأمين الصحي علي كافة المواطنين
٣- المحليات:
تطبيق اللامركزية من خلال إعادة التخطيط الحدودي للمحافظات بحيث تكون كل محافظة مواردها الإقتصادية والزراعية والسياحية والصناعية والتعدينية والبشرية المستقلة مما سيؤدي الي إعادة التوزيع الجغرافي بشكل أعدل من الحالي.
تطوير منظومة البناء والتطوير العمراني والجمالي
الإنهاء علي مشكلة النظافة وتطوير صناعة إعادة التدوير للمخلفات لما لها من فوائد إقتصادية وبيئية وإجتماعية وصحية عديدة.
وضع منظومة محكمة لشبكة الطرق والمواصلات وتسهيل الحركة المرورية الخانقة حاليا.
وضع حلول عملية وعلمية وفورية للعشوائيات وإيجاد مناطق سكن حضارية بديله فعليا.
تطوير وتحديث البنية التحيتية.
إنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة جديدة من خلال تفعيل مشروعات ممر التنمية في غرب البلاد و تطوير الساحل الشمالي وسيناء.
٤- الإقتصاد:
الإهتمام بتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعطاءها المجال الأكبر في عملية التنمية وذلك من خلال إنشاء مجلس أعلي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يكون المنوط له وضع إستراتيجيات التطوير وسبل ومنظومات التنفيذ.
تطوير أداء المؤسسات المالية بالدولة مثل البنوك والتأمين والبورصة وشركات الإستثمار المختلفة للعمل علي جذب الإستثمارات المحلية والخارجية.
وضع خطط تنموية مستقبلية للقطاعات الرئيسية للدولة مثل الزراعة وصناعاتها والصناعة والسياحة والتعدين والتجارة من خلال الوقوف علي الميزات التنافسية لكل قطاع
تطوير الخدمات اللوجستية والتي تتميز بها مصر لمقوقعها الجغرافي وعدد سكانها وان كانت من القطاعات الأقل حظا في التطوير حاليا.
تحسين وتطوير مستوي الدخوا والأجور بشكل يسمح بتوفير حياة كريمة للكافة.
ان ما أقترحه هنا ليس من قبيل المثالية أو النظرية، وإنما هي محاور اساسية للتنمية ويمكن ان تنفذ بإرادة وحسن التنظيم. ان التجارب والأمثلة لدول عديدة قامت بنفس عملية التنمية المرجوة وحققت نجاحات ملموسة علي أرض الواقع الأن وان كنت أري ان مصر يمكن ان تفوقهم في فترة التنفيذ والنتائج إذا ما وُجدت النية الخالصة والإصرار والإرادة الشعبية لذلك..وهي ما آمل ان تُوجد الآن.
فليوفقنا الله تعالي لما فيه الصلاح والخير ولتحيا مصر أبية والمصريين أحرار.
المقال بقلم حسام هيبة خبير الاستثمار