وليست القضية ما حدث فى يوليو، وهل كان انقلاباً عسكرياً أم لا بقدر فشل ثورة 2011
هناك انقسام شديد الخطورة بين مؤيدى الجيش ومؤيدى الإخوان يحول دون التوصل لأى مصالحة
بقلم: إيان بريمر
قرر الرئيس باراك أوباما ألا يستخدم نفوذه للتأثير على مجرى الأحداث فى مصر، وفى تصريحٍ له يوم الخميس الماضي، ندد بالعنف الذى شهدته الدولة وألغى تدريبات عسكرية مشتركة، معلناً أن التعاون التقليدى لا يمكن أن يستمر.
ولكن فى الواقع، كانت هذه تلويحات رمزية لا تقلل من الدعم الضمنى للولايات المتحدة للجيش المصري، فارتباط الولايات المتحدة بالجنرالات ممتد منذ أمد بعيد، وهذا سبب إذعانهم لما حدث فى يوليو ضد الرئيس المصرى المعزول محمد مرسي، وهذا الرضوخ وما تلاه من تصريحات وقرارات كان زلة كبيرة للسياسة الخارجية لحكومة أوباما، ففى أول أغسطس، وصف وزير الخارجية، جون كيرى، الجيش بأنه “يستعيد الديمقراطية”، وهذا لم يكن تصريحاً موفقاً وأصبح بقعة مشينة فى وجه البيت الأبيض.
وعندما تحركت السلطات المصرية ضد الإخوان المسلمين،وتصاعد العنف نظراً لتسلح بعض عناصر المعارضة، وقتل ما يزيد على 500 شخص، وهجم الإسلاميون على الكنائس وأقسام الشرطة عبر أنحاء الدولة.
هناك انقسام شديد الخطورة بين مؤيدى الجيش ومؤيدى الإخوان يحول دون التوصل لأى مصالحة أو حلول وسط، فكيف يمكن التوصل لاتفاق بينما تتزايد العدواة بين الجانبين.
وليست القضية ما حدث فى يوليو، وهل كان انقلاباً عسكرياً أم لا، بقدر فشل ثورة 2011 فى أن تؤتى ثمارها فلم تكن متكملة ولا ناجحة، ومما يثير السخرية إنها لم تبدأ فى الأساس.
وهذا حديث لا يرغب الناس فى سماعه، ولكن الجيش لم “يستعِد الديموقراطية” فى يوليو لأنها لم تترسخ أساساً، والجيش لم يسلم السلطة فعلياً، ورغم تغيير بعض الجنرالات هناك أمل بالمزيد من الإحلال.
ولكن القول بأن الجيش أذعن للحكومة الجديدة ثم أطاح بها، فهذا ضرب من الخيال لأن الجيش احتفظ بسلطته السياسية وميزانيته الهائلة كما أكد الدستور الذى صنعه الإخوان المسلمون على هذه السلطة.
لا يوجد طريق للعودة، وتبخرت الآمال بشأن تسوية بين نظام ما بعد الانقلاب والإخوان المسلمين سواء بالنسبة للحكومة الأمريكية أو محمد البرادعى أو السعوديين والإماراتيين وأى شخص آخر محسوب على الحكومة الانتقالية، ومع ذلك فإن استثناء الإخوان من السياسة سوف يجعلهم ومؤيديهم أكثر تطرفا.
ويلعب الجيش على قاعدته العريضة حيث يصور الإخوان المسلمين على أنهم تهديد، أما الأقلية التى كانت تأمل فى سد الفجوة بين الجانبين فلم يعد باستطاعتها لعب أى دور.
وأفضل ما يمكن أن يقال أن الجيش لديه قوة كافية لضمان بقاء تماسك الدولة، وبإمكانه احتواء وتهدئة الاوضاع.
ورغم فشل واشنطن فى التأثير على تطور الأحداث فى مصر خلال الستة أسابيع الماضية، مازالت تمتلك ورقة ضغط على الحكومة لإنهاء الحملات والالتزام بانتخابات حرة ونزيهة وبانتقال حقيقى للسلطة على المدى القريب، وتتمثل هذه الورقة فى التهديد بوقف المساعدات وتعليق التعاون العسكري.
وقد يكون وزير الدفاع، عبدالفتاح السيسى، مشتتاً حالياً بدرجة لا تجعله يهتم أو يتأثر بالولايات المتحدة، ولكن فى النهاية سوف توصل هذه التهديدات رسالة إلى قوى أخرى فى مصر.
وفى سوريا، ساعدت الولايات المتحدة المعارضة بعد أن عمت الفوضى فى السلطة المركزية وليس هناك طرف قادر على تولى زمام الدولة، أما فى مصر فسوف تسحب الولايات المتحدة نفسها من دعم الجيش، لأن الفوضى التى انتشرت مؤخراً أثبتت أن السلطة المركزية مازالت سيطرتها قوية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز