بقلم: ب جدعون راتشمان
عندما يحلل النقاد نجاح أنجيلا ميركل السياسي، فإنهم يميلون إلى التحدث عن بعض الافكار المهترئة مثل أنها شخصية براجماتية حذرة وعالمة تعتمد فى سياساتها على التجربة والخطأ ورمز أمومى مطمئن، بالإضافة إلى كونها سياسية طبيعية ذات صلة وثيقة بالناخبين.
وكل ما سبق صحيح، ولكنهم يهملون عنصراً بالغ الأهمية ألا وهو أن ميركل أيضاً ذات رؤية سياسية، ففى منتصف أزمة العملة المخيفة، أعادت تحديد علاقة ألمانيا بالاتحاد الأوروبى على أساس جديد وأكثر استدامة.
ولا ينظر أحد لميركل على أنها ذات رؤية سياسية ربما لأن طريقتها فى فرض هذه الرؤية لا تجذب الأنظار، وطورت ميركل رؤية مختلفة خاصة بالاتحاد الأوروبى ووضع ألمانيا فيه، وأدركت المستشارة أن هناك شيئا ما يسمى المصلحة القومية الالمانية وأوضحت أنها تعتزم الدفاع عنها.
وتتمثل رؤيتها الأساسية فى عدم التعارض بين مصالح دافعى الضرائب الألمان وبين المكافحة لإبقاء العملة الموحدة حية وتعتبر ذلك جزءاً مهماً فى مهمتها، ولكن إذا انقلب الناخبون على العملة الموحدة سوف يغرق المشروع بأكمله.
ولطالما كانت احتمالية نشوب اضطرابات شعبية فى الشارع الألمانى أثناء ازمة اليورو قائمة حيث تضمنت صناديق انقاذ الجنوب الأوروبى تعهدات ألمانية فى صورة قروض وضمانات تعادل موازنة العام المالى كله للدولة.
كما اضطرت ميركل للتصديق على بعض سياسات البنك المركزى الأوروبى ضد رغبة البنك المركزى الألمانى، ولإقناع الألمان بالموافقة على تلك الخطوات، كان من الأهمية بمكان أن تكون المستشارة عازمة على الدفاع عن دافعى الضرائب فى كل خطوة من الطريق.
ويأمل بعض الحالمين الأوروبيين من الطراز القديم بأن يتحقق حلم الولايات المتحدة الأوروبية بعدما حققت المستشارة فوزها الثالث فى الانتخابات، بينما يؤكد الكثير من الاقتصاديين إن منطقة اليورو لن تستقر إلا إذا غيرت ميركل المسار باتجاه اتحاد مصرفى حقيقى إلى «اتحاد تحويل أموال» بموازنة مركزية أكبر بكثير.
ومن المرجح أن يحبط الطرفان لأنهم فشلوا فى إدراك أن المنهج الذى اتبعته ميركل خلال أزمة اليورو لم يكن فقط وسيلة مؤقتة لوضع طاريء وإنما نهج مدروس لأوروبا.
كما فشلت المقترحات بشأن خطط حالية لتكوين اتحاد مصرفى حيث أنها محاولة غير مباشرة لجعل ألمانيا تدعم البنوك المتعثرة والمنهارة فى جميع أوروبا.
أما بالنسبة لفكرة سندات منطقة اليورو – أو ما تعرف بسندات «اليوروبوند» التى تضمنها جميع دول المنطقة – فقد علق احد مستشارى ميركل ساخرا من الفكرة قائلاً: إن لا شىء يمنع فرنسا وإيطاليا من إصدار سندات مشتركة بينهم.
وعندما أوحيت إلى دبلوماسى ألمانى كبير آخر بأن نهج ميركل تجاه أوروبا القائم على التأكيد على حماية الممولين والتشكيك فى المفوضية الأوروبية يشبه موقف بريطانيا، أجابنى ضاحكا وهل هذا أمر سىء؟.
وفى الواقع، لن يصبح موقف ألمانيا تجاه أوروبا مثل بريطانيا على الإطلاق وهذا يرجع لسببين وجيهين، أولا، الألمان يستخدمون عملة اليورو على عكس البريطانيين، لذا فإن وضع الدولتين مختلف، ثانيا، تبعث فكرة «الاتحاد السياسى» فى أوروبا الطمأنينية فى قلوب الألمان وإن ظلت فكرة مجردة.
ولم يصبح الألمان اكثر تركيزا على التفاصيل الصغيرة سوى هذه الأيام أكثر من نظرتهم للصورة الشاملة.
بينما رؤية ألمانيا للصورة الشاملة انعكست أيضا على مواقفها من العالم خارج أوروبا حيث انتقدت المستشارة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا فى 2011 عندما رفضت التصويت فى الأمم المتحدة على استخدام القوة العسكرية فى أوروبا.
ثم بعد ذلك، وفيما يتعلق بالحرب على سوريا أبدى الساسة البريطانيون والأمريكيون سأم وطنى من الحرب واتخذوا موقفا ألمانيا تجاه التدخل العسكرى الاجنبي.
وأسست ميركل منهجها السياسى تجاه الشرق الأوسط وحتى أوروبا بناءً على احترام رغبات المواطنين العاديين، ويبدو أن هذا المنهج ينجح كما اظهرت الانتخابات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر الفاينانشيال تايمز