مشكلة رغيف الخبز المدعم هي قضية هامة وعويصة في آن واحد فهي هامة لأنها متعلقة بالمكون الأساسي لوجبة الطعام لما لا يقل عن ثلثي أفراد الشعب بما فيهم الـ 40 % الذين هم تحت خط الفقر، وهى عويصة لان دعم الموازنة العامة للدولة لرغيف الخبز قد زاد بصورة رهيبة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي حتى وصل مبلغ دعم رغيف الخبز إلى حوالي 20 مليار جنيه في الموازنة العامة الجديدة.
وبالرغم من ذلك فلا المواطن توفر له رغيف خبز بمواصفات آدميه بدون طوابير كبيرة وعلى مدار اليوم ولا توقفت عملية سرقة الدقيق المدعم.
يوجد ثلاثة أسباب رئيسية للأزمة الأول هو أن فارق سعر توريد الدولة للدقيق المدعم للمخابز عن سعر مثيله في السوق الحر هو فارق ضخم ويحقق لمعدومي الضمير من أصحاب المخابز مبالغ هائلة من الربح الحرام من خلال بيع الدقيق المدعم في السوق السوداء ( سعر جوال الدقيق المدعم 16 جنيه وسعره في السوق الحر 200 جنيه ) .. وذلك لأن الدولة تدعم رغيف الخبز بحوالي 80 % من تكلفته حتى تتمكن المخابز من بيعه للجمهور بسعر 5 قروش.
السبب الثاني هو أن الريف المصري وحتى منتصف تسعينيات القرن العشرين كان يعتمد على نفسه ذاتياً في توفير القمح وكذلك في صناعة رغيف الخبز منزلياً .. وكان موضوع شراء الخبز من المخابز حتى وقت قريب هو أمر يلحق العار بصاحبه لأنه يعنى أنه لا يملك غلال في منزله … ولكن تغير الأمر خلال العشرين الماضية فأصبحت الغالبية العظمى من سكان الريف يشترون الخبز من المخابز مما نتج عنه طوابير الخبز الرهيبة التي شاهدناها خلال السنوات العشر الأخيرة.
السبب الثالث هو قيام العديد من الأفراد في الريف والأماكن الشعبية باستخدام الخبز المدعم كغذاء للطيور والحيوانات وذلك لرخص ثمنه حيث أن كيلو العلف أو الدشيش يوازى 5 أضعاف تكلفة كيلو الخبز.
وقد تمت محاولات كثيرة للسيطرة على الأزمة من خلال تشديد عمل الجهات الرقابية أو فصل الإنتاج عن التوزيع .. ولكن كل تلك المحاولات – بدءاً من أحمد جويلى ومروراً بعلى المصيلحى ووصولاً إلى باسم عودة – لم يصبها نجاح كبير.
ومن هنا فإنني أقترح على الدولة أن تتخذ قراراً جريئاً لحل تلك المشكلة يتمثل في أن تقوم الدولة بتوريد الدقيق إلى المخابز بسعر السوق الحر وتقوم المخابز ببيع الخبز بسعر السوق الحر أيضاً .. وفى نفس الوقت تقوم الدولة بتعويض الفئات التي تضررت من قرار وقف تدعيم رغيف الخبز من خلال توجيه نصف مبلغ الدعم – حوالي 10 مليار جنيه – لكي يصرف به مواد تموينية مدعمه عن طريق شبكة البطاقات التموينية ، وذلك لأن تلك الشبكة تغطى تقريباً كل من يقوم بشراء الخبز من المخابز ، بل وتزيد عنه .. وهذا المبلغ لو وزعناه على المستفيدين من تلك البطاقات وهم حوالي 50 مليون فرد فيكون نصيب كل فرد حوالي 200 جنيه سنوياً أي أن كل أسرة سيكون نصيبها ( في المتوسط الأسرة حوالي 5 أفراد ) حوالي 1000 جنيه سنوياً .. أي أن كل أسرة ستحصل على دعم شهري بحوالي 80 جنيه ( ما يوازى قيمة دعم 12 رغيف يومياً ) وذلك تعويضاً عن حرمانها من الخبز المدعم .. ويمكن صرف المبلغ نقدياً لمن يريد أما النصف المتبقي من مبلغ الـ 20 مليار فسوف يوجه لتحسين الخدمات الأخرى التي تقدم للمواطن .. سواء صحة أو تعليم أو طرق .. ألخ.
وبتطبيق هذه الآلية فسنضرب أكثر من عصفور بحجر واحد فأولاً سنوجه ضربة قاصمة لشبكة تهريب الدقيق المدعم التي حارت معها كل الحكومات لأنها شبكة يستفيد منها مئات الآلاف من الأشخاص وتنتشر عبر عشرات الآلاف من المخابز .. وثانياً فسوف تتنافس الأفران التي خرجت من شبكة الدقيق المدعم في تحسين جودة الرغيف وتقوم بتوفيره أغلب فترات اليوم – لأن مخابز المدعم تعمل بضعة ساعات كل يوم – حتى تنافس المخابز التي تبيع العيش المحسن ( الطباقى ) . .. وثالثاً فسوف تتفرغ وزارة التموين لمراقبة الأسواق بعد أن كان نصف جهدها يضيع في الرقابة على رغيف الخبز بداية من استيراد القمح من الخارج ثم تخزينه في الصوامع ثم طحنه ثم توزيعه على المخابز ثم مراقبه خبزه ومراقبة جودة الرغيف ورابعاً فسنغلق باب كبير من أبواب الفساد الذي كان يشارك فيه معدومي الضمائر من مفتشي التموين وخامساً سنوفر نصف مبلغ الدعم – والذي كان يذهب لجيوب منظومة الفساد – لكي نوجهه لخدمات أخرى تفيد المواطن
المقال بقلم محمد مليجي أخصائي تقييم أصول بإحدى شركات الاستشارات