بقلم: مارسيل فراتشر
تتعرض ألمانيا للانتقاد من قبل الحكومة الأمريكية وصندوق النقد والمفوضية الأوروبية بسبب فائض الحساب الجارى الضخم لها، والانتقاد ليس خطأ ولكنه لأسباب خاطئة، فبالفعل الفائض هائل ولكن الإدعاء بأنه يضر بأوروبا هراءً.
والأسوأ من ذلك أن هذا النقد يشتت صناع الساسة الألمانيين عن السبب الحقيقى للفائض القومى ونقطة ضعف الاقتصاد: فجوة الاستثمار الخاص الضخمة.
وتمثل الرد الألمانى فى الغضب بسبب ما رأته انتقاد لنموذج اقتصادها الناجح القائم على الصادرات، ومما ينذر بالخطر أن الجدل السياسى فى ألمانيا بدأ يزداد داخليا، وأصبح ينظر إلى ما هو جيد لأوروبا على أنه سييء لألمانيا.
وفى الواقع، فإن الصادرات الألمانية من الآلات والمعدات والكيماويات ارتفعت بعد أزمة 2008 – 2009، وشكلت جزءاً كبيراً من التعافى العالمى وليس كما يقال عائقا لتحسن الأوضاع فى الاقتصادات الطرفية الأوروبية.
وانتقاد الفائض يبعد ألمانيا عن الحقيقة التى هى بمثابة ضعف هيكلى متنام فى الدولة، ورغم نجاح ألمانيا فى تخفيض معدل البطالة، فإن نموها كان هزيلا منذ 1999، كما ظلت الأجور الأساسية ثابتة، وكانت إنتاجية العمالة دون المعدل، هذا فضلا عن أن معظم الوظائف مؤقتة وأن صافى ثروة الحكومة انحدر بشدة.
والسبب فى كل ذلك هو الفجوة الضخمة فى الاستثمار حيث ان حصة الاستثمار من الناتج المحلى الإجمالى واحدة من الادنى بين الدول الصناعية، كما واصلت الحصة هبوطها سريعا من متوسط %23 فى 1990 إلى أقل من %17 اليوم.
وتقدر دراسة من مركز “دى آى دبليو” للأبحاث فى برلين أن ألمانيا لديها فجوة فى الاستثمار تبلغ %3 سنويا أو ما يعادل 80 مليار يورو مما تسبب فى تقليص النمو المحتمل بنسبة 1.6 إلى %1، ومعظم هذه الفجوة فى الاستثمار الخاص.
وسبب هذه المفارقة خليط من الحظ السييء والسياسة السيئة، فالقطاعات الألمانية المصدرة عالية التنافسية تستثمر بالخارج أكثر من الداخل، وهذا منطقيا للشركات الباحثة عن دخول أسواق جديدة وتنويع المخاطر، ولكن هذا أصبح مأزقا خطيرا للاقتصاد الوطني.
ويعكس انخفاض الاستثمار الخاص ضعف السياسة الاقتصادية المحلية، فأولا، تلعب التنظيمات البيئية دورا فى انخفاض الاستثمار فى تحول الدولة نحو الطاقة المتجددة لأنها تتطلب زيادة الاستثمار سنويا بقيمة تتراوح بين 30 و40 مليار يورو.
ثانيا، يمكن تصميم النظام الضريبى بطريقة تشجع الاستثمار، فعلى سبيل المثال يمكن إعطاء الشركات فترات إعفاء وإلغاء الدعم المبالغ فيه ، وثالثا هناك سوق العمالة الذى تشتكى الشركات من نقص المهارات فيه خاصة فى ممجالات الهندسة والبرمجة، كما قد يساعد وجودد نظام تعليم أفضل وأكثر مرونة على المدى البعيد، أما على المدى القصير فيجب أن تكون سياسة الهجرة أكثر انفتاحا.
وأخيرا هناك انحدار حاد فى نشاط ريادة الأعمال، وهذا يرجع جزئيا إلى تراجع المحفزات المالية، ومع ذلك، فإن هذا النشاط ضرورى للابداع والاستثمار وفى النهاية هو يخلق وظائف جديدة.
ولم تكن أيا من تلك المشكلات على قائمة أجندة مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية التى ركزت على إعادة توزيع الحقائب الوزارية ، وهذا وحده لن يحل مشكلة الاستثمار الخاص، أما المطلوب فعليا هو موازنة دقيقة بين سياسات الطلب وسياسات العرض مما يقوى إنتاجية العمالة من خلال استثمار أكبر لرؤوس الاموال والمنافسة.
وأكبر تحد للحكومة الجديدة هو تشجيع الاستثمار الخاص، وقد يكون من الأسهل غض الطرف عنه نظراً لأن الفوائد الاقتصادية لن تدرك إلا بعد سنوات، ولكن هذا الإجراء ضرورى للتنافسية والنمو والازدهار.
كما أن الاستثمار الخاص سوق يخفض الفائض فى الحساب الجارى من خلال زيادة الصادرات ومساعددة أوروبا على الخروج من أزمتها، وفى نفس الوقت ستكون عواقب الفشل وخيمة، فقد ينقلب الوضع فى الدوولة التى استطاعت خلال عقد أن تحول نفسها لأكثر اقتصد مرن فى أوروبا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز