مع الساعات الأولى لصباح آخر أيام العام.. بدا شعاع الشمس طاغياً بنوره فكان حضوره لافتاً للجميع خاصة أن مثل هذه الحالة لم تشهدها البلاد منذ أسابيع بسبب موجات البرد.. وكأن الشمس هى الأخرى تشارك فى وداع العام.. فى تلك اللحظات كان عمال البلدية يجمعون معداتهم ليركبوا السيارة.
سأل أحد العمال رئيسه: إحنا رايحين فين يا عم حامد.. هنروح نجدد رصيف كورنيش العجوزة..
يرد أحد العمال: هو مش رصيف الكورنيش ده مجددينه من شهرين يا ريس!
ينظر إليه حامد مستهجناً حديثه.. وأنت مالك ياخويا هو أنت هتدفع حاجة من جيب أبوك.. يالا يا واد أنت وهو المهندس عماد واقف مستنى هناك.
ركب العمال السيارة النقل متجهين إلى موقع العمل.. دقائق وكانت السيارة فى الموقع..
نزل حامد متجهاً نحو المهندس عماد.. صباح الخير يا باشمهندس..
صباح الخير يا عم حامد.. يالا عايزين مجموعة تخلع بلاط الرصيف ده ومجموعة تكمل دهان الرصيف اللى فى نص الطريق..
اتجه العمال فى مجموعات لبدء العمل فى نزع بلاط الرصيف.. فى ذلك الحين كان شاب وفتاة يجلسان على أحد المقاعد بالرصيف متجاورين فذهب إليهما أحد العمال..
لامؤخذة يا أستاذ ممكن تقوموا من هنا.. نظر إليه الشاب مندهشاً وكذلك الفتاة..
ليه فى إيه؟..
أبداً يا أستاذ أصل إحنا هنشتغل فى الرصيف ده وهنخلع البلاط وهنفحر..
أخذ الشاب بيد فتاته وقاما معاً..
هى إيه الحكاية البلد مفيهاش شغل غير تجديد الأرصفة..
دا تالت رصيف نقوم من عليه..
مشى الشاب وفتاته..
ونظر العامل إليه قائلاً: وأنا مالى يا خويا ما تروح تحب فى حتة تانية وإلا هو الحب ما يحلاش إلا على الأرصفة..
التفت العامل ليجد أحد الشباب من عمال اليومية يجلس على الرصيف وأمامه مقطف وبعض معدات عمله..
اتجه العامل إليه..
لامؤخذة يا بلدينا عشان إحنا هنحفر هنا قوم أقعد أدام شوية..
نظر إليه الشاب الريفى..
يعنى إيه أقوم من هنا ما أنا كمان عايز أشوف شغلى زيك وبعدين هى الحكومة مالهاش شغلانة غير تهد الرصيف وتجدد الرصيف..
ازداد غضب العامل من رد الشاب الريفى ونظر إليه متأففاً..
والنبى يا خويا أنت كمان بلاش فلسفة يا تشوفلك حتة تانية يا تروح بلدك هو إيه اللى جابك هنا؟!
بدأ الشاب الريفى يحمل مقطفه وهو يحدث العامل..
جاى اتفسح يا خويا..
جاى اقعد على الكورنيش اشم هوا.
يرد العامل: ياعم روح بلدكم رب هنا رب هناك.. وربك هو الرزاق.
مشى العامل وكذلك الشاب الريفى غاضباً بينما توقف المهندس عماد يلاحظ العمال الذين يقومون بدهان الرصيف..
وقف مجموعة من الصبية يبدوا عليهم أنهم طلبة فى ثانوى أو إعدادى اتجه أحدهم إليه..
لو سمحت يا عمو هو أنتم ليه بتدهنوا الرصيف أبيض وأسود؟! فوجئ المهندس بالسؤال فابتسم قائلاً: هو دا اللون اللى الحكومة محدداه يا كابتن..
يرد الطالب: يعنى ما ينفعش تدهنوه بألوان تانية.. زى ألوان الكريسماس.
يتدخل أحد العمال فى الحديث ضاحكاً.. هو إحنا هندهن أوضة نوم روح يا بنى روح.
مضت ساعات من العمل الذى بدا واضحاً، حيث قام العمال بخلع البلاط وحجارة الرصيف..
بينما مازال العمل جارياً فى دهان رصيف منتصف الطريق..
فى ذلك الحين قام أحد العمال بوقف حركة المرور بالشارع ليعطى الفرصة لزملائه لنقل بعض المواد والمعدات للجانب الآخر..
أثناء توقف المرور..
وقف أتوبيس نقل عام أمام موقع العمل..
نظر أحد الركاب وهو شاب فى مقتبل العمر إلى عملية تجديد الرصيف وهو يضحك..
مفيش فايدة ولا كأن الثورة قامت النظام هو النظام والفكر هو الفكر..
كل حكومة معندهاش غير تجديد الرصيف.
يرد عليه أحد الركاب يكبره سناً: يا كابتن الحكومة بتحاول تحرك البلد..
واللى بيحصل ده أن الحكومة عندها خطة تحفيز الاقتصاد ومخصصة لها 30 مليار جنيه علشان تحرك الدنيا شوية ويبقى فى شغل فى البلد..
وأنت راجل متعلم وعارف أنك لو عايز تحرك اقتصاد من حالة الركود تهد طريق وتبنيه تانى..
يرد الشاب..
ما هو دا فكر حكومة العواجيز نظريات قديمة عفا عليها الزمن المفروض أن يكون هناك أولويات لخطة التحفيز يعنى مشروعات مياه متوقفة صرف صحى مستشفيات طرق يحس المواطن أن فيه حاجة حصلت فى البلد إنما الحكومة تختصر كل ده فى تجديد رصيف.
يتدخل أحد الركاب فى الحديث..
ما هو يا بنى دى أرزاق ناس بتسترزق من الكبار فى العمليات دى..
مفيش فايدة فى البلد دى..
تلتقط إحدى السيدات طرف الحديث..
آه والنبى صحيح هى الحكومة كل ما يكون عندها قرشين تضيعهم على الأرصفة..
ما ييجوا يشوفوا الناس اللى بيوتها غرقانة فى المجارى..
والنبى أنا ليا ناس جيرانى بيدخلوا شققهم على حجارة بسبب المجارى وكل شوية ييجى ناس ويروح ناس من الحى ولا حد بيعمل حاجة يهدوا الناس بكلمتين ويمشوا وبكره البيوت دى تقع وتحصل كارثة..
يتدخل الشاب ليرد على السيدة: يا ريتها يا حاجة فلوسنا دى الحكومة سلفاها من بره وأهو كله دين علينا إحنا مش على الحكومة.
ينطلق الأتوبيس ويمضى العمال فى عملهم حتى جاء وقت الغروب وقد أنجزوا دهان رصيف منتصف الطريق وقلموا أشجاره وبدا متزيناً وكأنه يستقبل العام الجديد..
يجمع العمال معداتهم ويركبوا السيارة النقل عائدين إلى مقر هيئة النظافة..
وبدأ الليل يسدل ستائره لتبدأ الاحتفالات برأس السنة.. ويعلو صوت المحتفلين فى الفندق المقابل للرصيف الذى تم دهانه وتنطلق السيارات والمارة الذين يحملون ويرتدون قناع بابا نويل.
ويخرج أحد الأشخاص من الفندق يبدو عليه أنه مخمور يترنح فى خطواته..
فيتجه بنظره إلى الرصيف الذى تم دهانه ويوجه حديثه للرصيف قائلاً: ماشية معاك يا عم أنت كمان لبست الحتة الاسموكن وهتحتفل معانا برأس السنة..
يلقى بقطرات من الزجاجة التى يحملها يالا يا عم أشرب فى نخب السنة الجديد.
happy new year