الاقتصادى المصرى الكبير: حانت لحظة الانسحاب
صدمت الاستقالة المفاجئة للدكتور محمد عريان، المصرى الأصل الأمريكى الجنسية، من منصبه كرئيس تنفيذى لشركة “بيمكو”، أكبر شركات إدارة الأصول حول العالم، مجتمع الاستثمار والأعمال العالمي، وبالتحديد عملاء شركة “بيمكو” التى تدير اصولا تفوق 2 تريليون دولار، وتناقلتها غالبية وكالات الأنباء العالمية.
وأثارت استقالة العريان ، أحد أهم 100 مفكر فى العالم، وفقا لـ”فورين أفيرز” لثلاثة أعوام متتالية، التساؤلات حول مستقبل قطاع ادارة الأصول، وبالتحديد فى أدوات الدخل الثابت، كما فتحت الباب داخل مصر للتنبؤ بأن يكون أحد الأوراق الرابحة فى قيادة الاقتصاد المصرى الساعى للنهوض من كبوته خلال المرحلة المقبلة.
لم يفصح محمد العريان عن أسباب رحيله عن بيمكو سوى أنه “حان وقت الانسحاب”، ويثير التوقيت تساؤلات خاصة وأنه مسئول عن تنويع الشركة لاستثماراتها بعيدا عن السندات، بعدما عانت “بيمكو” من تدفقات خارجة بقيمة 41 مليار دولار العام الماضي.
وانسحب المستثمرون من أكبر صندوق فى العالم للاستثمار فى السندات بعد ارتفاع أسعار الفائدة، وأدرك الصندوق حاجته للبحث عن أصول جديدة بخلاف السندات التقليدية حتى لا تستمر قاعدة أصوله فى الانكماش.
وسبق أن اتجه العريان بالفعل لسوق الأسهم فى عام 2010، بدعوى أن الاقتصاد يمر بفترة تحولات جوهرية أطلق عليها هو وبيل جروس عصر “الوضع الطبيعى الجديد” الذى يشير إلى العائدات الضعيفة بسبب تراجع النمو فى الولايات المتحدة وأوروبا.
وبسؤاله عن خططه المستقبلية، صرح العريان لصحيفة الفاينانشيال تايمز أنه ليس لديه أى خطط حتى الآن رغم أنه سيظل مستشارا اقتصاديا لمجموعة أليانز الألمانية للتأمين، الشركة الأم لـ”بيمكو”، كما سيواصل كتاباته الوافرة.
ويقول أنجوس بلير، رئيس معهد سيجنيت، الذى يتخذ من القاهرة مقرا له، عودة العريان إلى مصر فى الظروف الحالية التى تمر بها البلاد ستضره كثيرا، فى حين ستكون عودته فى صالح البلاد إلى حد كبير إذ أنه لا ينحاذ إلى أى شخص وتركيزه ينصب بشكل رئيسى على الاقتصاد.
وقال المدير التنفيذى لشركة بيمكو الأم، “آليانز”، فى أكتوبر الماضى أن الدخول فى سوق الأسهم كان أصعب مما تخيله العريان.
وتحت إدارة العريان، الذى صنع اسما براقا لنفسه من خلال الاستثمار فى سندات الأسواق الناشئة فى بداية عمله فى بيمكو، تضاعفت الأصول تحت الإدارة ثلاثة أضعاف مع هروب المستثمرين إلى استثمارات الدخل الثابت بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008.
وعندما انضم العريان للشركة، كانت أصولها تحت الإدارة لا تتجاوز 150 مليار دولار، وكانت تخدم فى الأساس العملاء الأمريكيين، وكان عدد العاملين فيها لم يكن يتجاوز 500 فرد فى 4 مكاتب.
أما الآن فهناك حوالى 2500 موظف بالشركة فى 13 مكتباً حول العالم، وأصبح لديها قاعدة عملاء حول العالم، ووصل إجمالى أصولها إلى 2 تريليون دولار.
ويخشى البعض أن يتسبب رحيله فى هجرة جماعية للمستثمرين من بيمكو، ولكن نفى كيرت براور، أحد المستثمرين فى الصندوق، احتمالية حدوث ذلك، كما أصبح لدى “ بيمكو” مجموعة متنوعة من المنتجات الاستثمارية التى يتفوق أداؤها عن مؤشراتها منذ 5 أعوام.
ولد محمد عبدالله العريان فى نيويورك سنة 1958، وعاش فى مصر عشر سنوات، قبل أن ينتقل والده أستاذ القانون المستشار عبدالله العريان، إلى نيويورك عام 1968، ورافق والده الذى عمل قاضيا فى محكمة العدل الدولية، ثم سفيرا لمصر فى فرنسا، وتلقى العريان تعليمه فى مصر وفرنسا ولندن، وحصل على شهادته الجامعية فى الاقتصاد من جامعة كامبريدج، ثم شهادتى الماجيستير والدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة أكسفورد فى بريطانيا، واستقر العريان فى واشنطن منذ عام 1983، وتزوج من محامية أمريكية.
عمل العريان لمدة 15 عاما لدى صندوق النقد الدولى فى واشنطن قبل تحوله للعمل فى القطاع الخاص، حيث عمل مديرا تنفيذيا فى سالمون سميث بارنى التابعة لسيتى جروب فى لندن، وفى عام 1999 انضم إلى مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية،، وفى عام 2006 انضم إلى شركة إدارة جامعة هارفارد فى منصب الرئيس التنفيذى حيث تولى إدارة صندوق المنح الجامعية والحسابات التابعة لها، ورغم أنه لم يطل مكوثه هناك، فإنه خلال سنة مالية كاملة من قيادته استطاع الصندوق أن يحقق عائدا نسبته %23، يعد الأعلى فى تاريخ الجامعة، ثم عاد إلى بيمكو عام 2007.
ونشر العريان العديد من الدراسات حول القضايا الاقتصادية والمالية العالمية، وعمل فى العديد من المجالس واللجان الاقتصادية والمالية والدولية، ومنها وزارة الخزانة الأميركية، والمركز الدولى للبحوث، ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وباحثا فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي، وكامبريدج فى الولايات المتحدة.
وصنف الاقتصادى المصرى البارز ضمن “أقوى 500 شخصية عربية 2011”، فى “أريبيان بزنس”، وضمن “أفضل 100 شخصية عربية”، فى “أريبيان بزنس”، أيضا عام 2009، كما وضع اسمه على قائمة “فورن أفيرز” ضمن أفضل 100 مفكر فى العالم أعوام 2009، و2010، و2011.
وفى عام 2008، نال العريان عدة جوائز عالمية عن كتابه “عندما تتصادم الأسواق” الذى قدم فيه رؤية جديدة للنظام المالى العالمى بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، قامت على أسس ومبادئ مبتكرة، تخلصت من الرؤية التقليدية التى حكمت عالم المال والاقتصاد والسياسة.
وفى عام 2012، عينه الرئيس الامريكي، باراك أوباما، رئيسا لمجلس الرئيس للتنمية العالمية، وذلك بعد أن أرسل له العريان خطابا فور فوزه فى الانتخابات الأخيرة عرض به خطة من أربع نقاط لانقاذ الاقتصاد الامريكي، من خلال رفع معدل النمو وخفض نسبة البطالة شارحا بشكل مفصل طرق تنفيذ هذه الخطة.
وسبق ان قال عنه بيل جروس، المؤسس ومدير الاستثمار المشارك فى بيمكو، عام 2010 :” العريان هو ولى عهدي”.
رسالته لزملائه: التفاعل بين «أنا» و«أنتم» و«نحن» سبب النجاح
بعث محمد العريان رسالة إلى زملائه فى صندوق “بيمكو” تحدث فيها كثيرا عن سعادته بالعمل فى الشركة وبالعمل معهم وقليلا عن أسباب رحيله.
وقال العريان إنه قرأ مقالاً لفرانك برونى فى جريدة “نيويورك تايمز” يتحدث فيه عن أهمية أن يوازن الساسة بين “أنا، وأنتم، ونحن” حتى يحقق النجاح، وإن هذا المقال جعله يشعر بالفخر بالعمل فى “بيمكو”، واستخدم العريان نهج هذا المقال فى رسالته لزملائه، وفيما يلى ملخص رسالته.
“أكتب لكم اليوم لأحيطكم علما بأن الوقت قد حان لانسحب بعدما التحقت بالعمل فى الشركة فى 1999، وبعد السنوات الست الرائعة فى منصب المدير التنفيذى والرئيس المشارك للاستثمار فى صندوق إدارة الأصول.
لقد كان العمل معكم جميعا امتياز عظيم وشرف كبير، وأشكركم جميعا من أعماق قلبى على السنوات العديدة من الزمالة الرائعة والدعم الطيب، وعلى المجهودات غير العادية والانجازات المذهلة فى خدمة عملائنا.
وقد قرأت منذ أسبوعين فى قسم المقالات فى “النيويورك تايمز” عمودا لفرانك برونى أذهلنى بشكل خاص، وأود أن أشكره عليه وأن استخدم منهجه فى رسالتى إليكم.
وتحدث مقال برونى ببراعة عن التفاعلات بين “أنا، و”أنتم”، و”نحن”، وقد جعلتنى قرائته أدرك كم كنت محظوظاً للعمل فى بيمكو.
فخلال الوقت الرائع الذى قضيته فى بيمكو، عملت مع زملاء مذهلين علمونى وألهموني، وقد نميت مهنيا وشخصيا، وكونت صداقات دائمة، وتمتعت كثيرا.
ومع ذلك، تتضائل أهمية “أنا” عند مقارنتها بـ “نحن” و”انتم”، فـ “نحن” جميعا كشركة، حققنا أشياء رائعة لعملائنا حول العالم.
وكما تعلمون، فقد كانت السنوات الست الماضية مثيرة ومهمة حيث ساعدنا عملاءنا على اجتياز الأزمة المالية العالمية وما بعدها، وقد عملنا معا بكد وجهد لحماية وتنمية صناديق التقاعد والمعاشات والاستثمارات والمدخرات.
ونظرا لأن بيمكو وفت بوعودها، فقد كُوفئت الشركة بسبب عملها الدئوب والكفء بتضاعف أصولها ثلاثة أضعاف خلال ست سنوات، ومن منظور آخر، يمكن القول بأن بيمكو استغرقت 39 عاماً لتصل لعتبة أول تريليون دولار، واحتاجت ما يزيد قليلا على 3 سنوات أخرى لتخطو عتبة 2 تريليون دولار.
كما تمتعنا الفترة الماضية بنمو مذهل فى نواحى مهمة أخرى أيضا، فقد أصبحنا شركة أقوى وأكثر تنوعا.
وأنتم موهوبون للغاية، ومخلصون، وتعملون بكد لخدمة عملائنا، فأنتم تقدمون مستوى استثمارى ممتاز، وتحفيز فكرى وكفاءة مهنية تسمح للآخرين بالنمو والبروز، وتتفاعلون بطريقة تجعل الكل أكبر بكثير من مجموع بعض الأجزاء، كما أنكم تجدون طريقة للحفاظ على هدوئكم وكفائتكم بغض النظر عن تقلبات السوق، وتفعلون ذلك مراراً وتكراراً.
كما أود أن أعبر عن شكر قوى وعميق وخاص لبيل جروس، فقد كان لى الشرف للعمل جنبا بجنب مع أحد أفضل المستثمرين فى العالم، وكنت محظوظا لذلك، فمواهبه استثنائية بقدر تفانيه تماما.”
ردود الأفعال حول الاستقالة
- «بيل غورس» مدير الاستثمار فى «بيمكو»:
«كان العريان قائداً عظيماً وزعيماً فى الفكر الاقتصادى يجسد الثقافة والفكر فى الشركة ويعبر عن عمق الموهبة فى إدارة المحافظ والاستثمارات المالية»
- «جيف تيور نهوى» كبير المحللين فى «ليبر»:
«ساعد العريان فى تحديد الاتجاه الاستراتيجى للشركة وسوف يحدث فرقاً شاسعاً عند مغادرته لها»
- «لورانس مكدونالد» الخبير الاستراتيجى فى «نيو ادج»:
«يعتبر العريان واحداً من الكوادر الأكثر احتراما للغاية فى المجال الاقتصادى وانسحابه بمثابة ضربة قاسية لأى منظمة»
- كيرت براور، رئيس مجس إدارة “براور آند جاناتشويسكي”، يستثمر فى بيمكو منذ 1980:
رحيل العريان خيبة أمل بالتأكيد لبيمكو، فقد كان يعبر عن الجيل الجديد للإدارة”.
- أكسل ويبر، رئيس مجلس إدارة بنك “يو بى إس إيه جي”:
رحيل العريان خسارة لأى شركة، خاصة بعد مرور بيمكو بعام صعب فى 2013، فقد عانت الشركة من تدفقات خارجة، وبشكل عام فإن مجال إدارة الأصول أصبح صعبا للغاية خاصة بالنسبة للمستثمرين فى السندات”.