الرغبة فى جنى الأرباح سريعاً وراء الهبوط الحاد فى يناير الماضى
استقبلت أسواق الأسهم عام 2014 بمزاج متفائل، بعد أن ارتفعت الأسهم الأمريكية بنسبة %30 العام الماضي، حتى بدا المستثمرون يصدقون أن أسوأ ما فى الأزمة المالية قد انتهى أخيرا وأن الاقتصاد العالمى يعود إلى أداء ايجابى مناسب مع نمو ليس قويا جدا ليؤدى إلى التضخم أو ضعيفا جدا ليخفض الأرباح ولكنه “مجرد معتدل”.
ومع ذلك، فقد تعرضت الأسواق لضربتين متتاليين فى الأسابيع الاولى من هذا العام؛ الأولي: وقوع عملات الأسواق الناشئة تحت ضغط كبير مع هبوط حاد فى قيمة عملتى البيسو الارجنتينية والليرة التركية مع لجوء العديد من البلدان الناشئة الأخرى إلى رفع أسعار الفائدة، وأوضحت البيانات الاقتصادية الصينية نموا ضعيفا مع تراجع مؤشر مديرى المشتريات إلى 50.5 نقطة فى يناير، ليسجل بذلك أدنى مستوياته فى ستة أشهر.
وجاءت الضربة الثانية من أمريكا، حيث انخفض مؤشر مديرى المشتريات من 56.5 نقطة فى ديسمبر 2013 إلى 51.3 فى يناير، وقد صاحب هذا الانخفاض تراجعا فى مبيعات المركبات جاء فى أعقاب الانخفاض المفاجئ فى طلبيات السلع المعمرة فى ديسمبر، مما أدى إلى تراجع مؤشر ستاندرد أند بورز 500 فى الثالث من الشهر الجارى بنسبة %2.3.
ويكمن وراء كل ذلك مصدر ثالث للقلق، ألا وهو أن سياسة التيسير الكمى للاحتياطى الفيدرالى لها قدرة كبيرة على رفع أسواق الأسهم وخفض عائدات السندات، والان مع بدء الاحتياطى الفيدرالى فى تقليص برنامجه شراء السندات تدريجيا، فهل ستصبح الأسواق تحت ضغط لفترة طويلة؟
وكالعادة، تلعب الحالة النفسية دورا كبيرا، فالاحتياطى الفيدرالى مازال يشترى أصولا بقيمة 65 مليار دولار شهريا، مما يعد مساندة قوية، بالرغم من ذلك فاذا توقع المستثمرون الانسحاب الحتمى لسياسة التحفيز النقدى لاثارة التراجع فى الأسواق، سيكون من المنطقى أن يقوموا ببيع أسهمهم مقدما للحد من خسائرهم المحتملة، وفى الواقع، قد تعزز العائدات القوية التى حققتها أسواق الاسهم فى عام 2013 من عملية البيع، خاصة أن المستثمرين يكونون سعداء لجنى أرباحهم.
ويبدو أن موجة جنى الأرباح تجرى حاليا فى اليابان، رغم أن التوقعات بإبقاء بنك اليابان المركزى على سياسة التيسير النقدي، فقد انخفض مؤشر توبكس بنسبة %4.8 فى الرابع من شهر فبراير الجاري، وذلك بعد أن ارتفع بنسبة %51 العام الماضي.
وموجة جنى الأرباح ليست هى المشكلة الحقيقية فى أسواق الأسهم الناشئة، منذ أن كان أداؤهم أقل من أداء اسواق الأسهم فى الدول الغنية على مدار الثلاث سنوات السابقة، فكان أكثر البلدان تضررا فى الأسابيع الأخيرة تلك التى تعانى من مشاكل بعينها، مثل الاضطراب السياسى فى اوكرانيا، وعجز الحساب الجارى ومعدلات التضخم المرتفعة فى تركيا والسياسة الاقتصادية الضعيفة التى تعانيها الأرجنتين.
ويوضح أداء الأسواق فى الأسابيع الأخيرة أن العديد من المستثمرين كان يشغلهم قلق معاكس، وهو ما اذا كانت الصعوبات التى تواجهها الاسواق الناشئة ستصيب العالم المتقدم؟
ويشير المحللون لدى بنك استثماري «ماكواري» إلى أن خمس دول من تلك التى كانت قيمة عملاتها الاكثر هبوطا، وهى الارجنتين والبرازيل والهند وروسيا وتركيا، يشكلون %12 من الاقتصاد العالمي، كما أفاد جولدمان ساكس، أن نحو %18 من عائدات الشركات الاوروبية تأتى من الاسواق الناشئة وترتفع هذه النسبة إلى %24 بالنسبة للشركات البريطانية و%31 بالنسبة للسويسرية.
وبالرغم من أن حوالى %15 من أرباح شركات ستاندرد اند بورز 500 تأتى أيضا من الأسواق الناشئة، فلا توجد أى اشارة على تضرر عائدات الشركات.
وحتى الآن يمكن تفسير تذبذبات الاسواق المالية بأنه اعادة تقييم لتوقعات متفائلة بشكل مفرط للمستثمرين، وحتى تتحول موجة البيع إلى أمر أكثر جدية، يجب أن تكون هناك دلائل أكثر وضوحا على تباطؤ اقتصادى جديد اما فى الصين أو العالم المتقدم، او تراجعا كبيرا فى أرباح الشركات.