قررت عبير السعدي عضو مجلس نقابة الصحفيين مقاطعة أعمال مجلس النقابة مؤكدة أن ذلك الأمر لا يشكل إنسحابا من ساحة العمل النقابى التى تحفل بمئات الشرفاء والغيورين على المهنة ـ على حد وصفها ـ ، معتبرة قرارها بمثابة دعوة للجمعية العمومية لليقظة والإنتباه إلى النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب علي السكوت فى مواجهة الهجمة على أمن و سلامة و كرامة الصحفيين وضمانات ممارستهم لعملهم .
وأكدت عبر صفحتها الشخصية على ” الفيس بوك ” أنها تابعت ومعها قطاعات واسعة من أبناء المهنة الإنتهاكات المتصاعدة لحرية الصحافة وحقوق الصحفيين خلال الفترة الأخيرة، والتي انعكست آثارها السلبية علي أجواء العمل الصحفي فى مختلف المواقع، وشكلت نوعا من الترويع والترهيب للجماعة الصحفية، وعصفا بالضمانات الدستورية والقانونية المقررة لمهنتنا النبيلة.
وأشارت الى أنه يكفى أن نتذكر فى هذا المقام أننا فقدنا أرواح ثمانية من زملائنا في أقل من خمسة أشهر، وأن مرتكبى هذا المسلسل الدموى البغيض لا يزالون مطلقى السراح، وأن جهات التحقيق لا تزال تتوانى عن ملاحقتهم وتقديمهم الى العدالة، يكفى أن نحصى الإصابات التى لحقت بعشرات آخرين لا ذنب لهم سوى القيام بواجبهم المهنى، وأن نسترجع وقائع الإعتقال والإحتجاز غير القانوني وتلفيق التهم والتعدي بالضرب والإهانة و تحطيم المعدات و الكاميرات بهدف التعتيم على الأحداث وحرمان الرأي العام من حقه الثابت فى المعلومات والمعرفة.
وأخيرا توجت هذه الإنتهاكات بتوجيه اتهامات قضائية وإصدار قرارات إحالة إلي محاكم الجنايات لكبار الصحفيين المشهود لهم بالنزاهة والمهنية، والمثال الأبرز على ذلك إحالة الكاتبة الصحفية تهاني إبراهيم مع الزميلين مجدي سرحان رئيس تحرير الوفد ووجدي نور الدين مدير التحرير الى المحكمة بتهمتي السب و القذف و إهانة القضاء بعد مقال حثت فيه وزير العدل، الذي خلع وشاح القضاء بالفعل بتوليه منصبا تنفيذيا، على الرد علي ما ذكره رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن تلقى الوزير مكافآت مبالغ فيها اعترف بتلقيها فيما بعد.
لقد شكلت كل هذه الإنتهاكات والممارسات ظاهرة صادمة وغير مسبوقة فى سجل العمل الصحفى، غير أنها مع ذلك لم تكن كافية لإشعار مؤسستنا النقابية بالخطر، ولم تدفعها للتحرك الجماعى من أجل تطويقها ومحاسبة المسئولين عن قتل الصحفيين وتهديد حياتهم وسلامتهم ، وكان ذلك بمثابة صدمة أخرى لى وللعديد من أبناء المهنة، إذ كيف يتسنى للنقابة العريقة والحصن الأول للحريات التى تصدت لكل طغيان فى مختلف العهود أن تؤول الى هذا الموات النقابي غير المبرر، وكيف تقنع بدور رجل إسعاف قليل الحيلة وأن لا تجد ماتتباهى به سوى أنها تقوم بتشييع جثامين الزملاء الى مثواهم الأخير، أو أنها تجرى الإتصالات لإطلاق سراح المحتجزين منهم وتقدم الإعتذارات اللازمة لذوى الشأن من المسؤولين.
وتابعت قائلة :” في ظل هذه الأجواء والتحولات التى تنذر بعواقب وخيمة، آليت على نفسى إلا أن أدق ناقوس الخطر لتنبيه الغافلين سواء كانوا فى قمة الهرم النقابى أو فى قاعدته، ومن هذا المنطلق شاركت في الإجتماع الأخير لمجلس النقابة حيث أثرت فيه كل شجون و هموم الجماعة الصحفية ازاء تلك الإنتهاكات والممارسات المسكوت عنها، وأكدت للنقيب وزملائى أن التاريخ لن يرحمنا إذا ما استمر الصمت على مايجرى، وإذا ما استمر انتهاك كرامة المهنة وفرض الترويع علي أبنائها على مرأى ومشهد من الجميع حتي أصبحنا المكان الأخطر للصحفيين وفق التصنيفات العالمية .
أشارت الى أنها كان من المؤسف أن تجد من يدافع عن الأداء الباهت والصوري لمجلس النقابة ازاء هذه الانتهاكات، وأن يعتمد فى ذلك على تفريغ النقاش من مضمونه أو شخصنته واتهامي بالمزايدة، رغم أني حاولت علي مدي الشهور الماضية إصلاح الأمر من داخل المجلس دون جدوى، وأصررت علي أن يتحمل المجلس مسئوليته التى اختارها لنفسه ونال على أساسها ثقة الجمعية العمومية، وقلت مرارا أن الأفضل لمن يعجز أو يقصّر فى أداء هذه المسئولية هو أن يخلى مكانه للقادرين على تحملها، فالعمل النقابى ليس مجرد تسديد خانات أو إبراء ذمة أو تعاطف فردى مع محنة زميل أو زميلة ، فكل ذلك على المستوى الفردى يمكن قبوله أو تفهمه ، لكنه فى كل الأحوال لا يعبر عن الوزن المهنى والأدبي والتاريخى لنقابة بحجم نقابة الصحفيين.
أشهدكم أنني فاض بي الكيل وتحملت مالا يمكن تحمله لإبقاء ذلك الخلاف داخل جدران المجلس، وأؤكد لكم أنه لا توجد ثمة خلافات شخصية تشوب علاقتي بالنقيب أو أعضاء المجلس التى يسودها الود و الإحترام، لكن ضميري غير مستريح ولا أرغب في أن أخدع أحدا ممن منحونى ثقتهم أو لم يمنحوها، فالخلل قائم وحقيقى والسكوت عليه جريمة بالمشاركة أو التواطؤ. وتأسيسا على ذلك اتخذت قرارا بمقاطعة أعمال مجلس نقابة الصحفيين الى أن يعترف بتقصيره وحتى يقدر مسؤوليته بتغيير المنهج الشكلي في التعامل مع أوضاع المهنة والتحديات المفروضة عليها.
لست قادرة على الإستمرار في مهزلة ترفع شعار حماية الصحفيين، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تأمين الحد الأدنى اللائق بكرامة الصحفيين وسمو مهنتهم، كما أننى لا أقبل الدفاع عن أداء باهت فى غياب تحرك نقابي منظم وقوي يتناسب مع الخطر المحدق بالمهنة و ممارسيها.
إن قرارى بمقاطعة أعمال مجلس النقابة .