فى عام 2007، درأ بنك يونيكريديت، أحد البنوك الايطالية، المنافسة الشرسة من قبل المصارف الغربية الأخرى لشراء أكبر رابع بنك فى أوكرانيا مقابل 2 مليار دولار، وفى خضم أحاديث الحرب والتعثر الأخيرة، وضع بنك يونيكريديت حدا للسحب من ماكينات الصراف الآلى فى أوكرانيا، وفى الوقت ذاته، تراجعت أسهم الشركات الكبرى فى روسيا مثل كارلسبيرج ورينو.
وتعد الاضطرابات التى تشهدها أوكرانيا واحدة من المشكلات العديدة التى تواجهها الشركات الغربية فى الأسواق الناشئة، فقد تضافر كلاً من تباطؤ النمو وهبوط قيمة العملات وانخفاض أسعار السلع وقرارات الاستثمار السيئة والمخاطر السياسية ليخيبوا توقعات المدراء، ولاحظ المستثمرون أن شركات الدول المتقدمة التى تتعرض للاقتصادات الناشئة بأعداد أعلى من المتوسط أدت إلى تراجع أسواق الأسهم الأمريكية بنحو %40 خلال الثلاث سنوات الماضية.
كل ذلك يدفع الشركات الغربية إلى اعادة النظر فى استراتيجياتها فى الأسواق الناشئة، وعلى الرغم من أن التجربة كانت قاسية بالنسبة للعديد منها، فان الآفاق تعد جيدة، ولكن بعضها خسر ما يكفى من أموال حاملى الأسهم ويتعين عليها العودة إلى ديارها.
وتضاعف حجم استحواذات شركات العالم المتقدم فى البلدان النامية إلى ما يزيد على أربعة أضعاف فى الفترة ما بين 2003 و2010 لتصل إلى 180 مليار دولار، وقد استثمرت شركات الدول المتقدمة ما يقرب من 3 تريليونات دولار فى الاقتصادات الناشئة، ما جعلها واحدة من أكبر دورات استثمار الشركات منذ موجة ازدهار السكك الحديدية فى القرن التاسع عشر.
وكانت قد حولت تلك الاستثمارات هيكل العديد من الشركات، فعلى سبيل المثال، قالت شركة “يونيليفر” عام 1999 ان الدول الغنية هى “عمودها الفقري”، والآن تبيع معظم منتجاتها فى البلدان النامية.
وحقق العالم النامى ثروات هائلة، لكن متوسط عائدات الشركات متعددة الجنسيات التى كانت تستثمر فى الأسواق الناشئة كانت متواضعة، فلم تكن أعلى من المتوسط العالمي، ولم تحصل العديد من الشركات على تعويض كاف مقابل المخاطر التى يتحملونها، وخسر البعض طنا من النقود.
اذن ما الذى حدث لحماسها حيال الاستثمار فى الأسواق الناشئة؟ قد تكمن الاجابة فى أن العديد من الشركات لم تأخذ المخاطر التى تحتوى عليها الأسواق الناشئة على محمل الجد على نحو كافٍ، فربما يكون تحرك روسيا نحو اقليم القرم الأوكرانى صدمة، ولكن بعد تحرك مماثل نحو جورجيا فى عام 2008، يكاد يكون الأمر مفاجئا.
ومع ذلك، فان سوء الادارة هو من يتحمل اللوم فى الغالب على ضياع حماس شركات الدول الغنية للوصول إلى الأسواق الناشئة، فقد دفعت العديد من الشركات بافراط فى عمليات الاستحواذ، اذ بلغ متوسط التقييم فى عام 2007 ضعف ما كان فى عام 2002-2003، وانغمر آخرون فى الأسواق التى كانت متشبعة بالاستثمارات، فقد واجهت شركات صناعة السيارات فى البرازيل تراجعا فى السعة الانتاجية الفائضة ومبيعات السيارات بنسبة %20 على الأقل، ووجدت بعض الصناعات، مثل الصناعات الدوائية، أن نماذج أعمالها القديمة لم تعد مجدية فى الأماكن الأكثر فقرا وفشلت فى اختراع أخرى جديدة.
وحتى تتمكن شركات الدول الغنية من تحسين وضع ثرواته فى الأسواق الناشئة، تحتاج إلى اتخاذ خطوتين. الأولى، مراجعة محافظها المالية من حيث أهميتها الاستراتيجية وعائداتها المالية، والأعمال ذات العائدات الضعيفة هى التى تعد مرشحة للبيع أو اعادة الهيكلة أو الغلق.
ثانيا، سوف تكون الشركات متعددة الجنسيات فى حاجة إلى تعزيز استثماراتها التى احتفظت بها، وسيتم ذلك من خلال الاقتراض من أسواق الدين المحلى وتحويل المزيد من الانتاج إلى دول الناشئة، كما أنه بامكانها إنشاء صناديق تحوط ضد اضطرابات العملة ودرء النزعة الحمائية، ويجب أن تأخذ الشركات الأقوى عمليات الاستحواذ فى الاعتبار لزيادة حصصها فى السوق، ولكن مع التأكد أنها لم تدفع مبالغ مفرطة مقابل تلك الاستحواذات.
وفى نهاية المطاف سوف يتحسن النمو فى الدول الناشئة التى ستكافئ شركات الدول الغنية بأعمال تجارية قوية ومثابرة.