مستثمرون عالميون بأقدام راسخة
على الرغم من تصدر رؤوس الأموال السوقية الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية لعناوين الأخبار في النشرات الإخبارية مؤخراً بامتلاكها لعقارات تجارية حول العالم، إلا أن رأس المال الشرق الأوسطي ظل مستمراً على نفس وتيرته بنجاح في امتلاك العقارات التجارية على مدار الثلاثين عاماً الماضية. ومصدر ثروات المستثمر الشرق الأوسطي لا يخفى على أحد، حيث لا تزال المنطقة تتربع على عرش مصدري الهيدروكربونات في العالم. وعلى الرغم من بزوغ أنماط جديدة لإنتاج الطاقة بشكل تدريجي، إلا أن الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يزداد بنسبة 25% بحلول عام 2020 (تقديرات إدارة معلومات الطاقة “EIA”). وبسبب انخفاض تكاليف الإنتاج بكثير عن أسعار النفط الحالية (الشكل 1)، فإن تدفقات الإيرادات لدول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان) يبدو عليها الاستقرار بشكل نسبي على المدى القريب والمتوسط. وعلى الرغم من عدم وجود أي انخفاض في شهية تلك الدول لشراء العقارات، إلا أن هناك تغيراً في طريقة استثمار المجموعات الشرق أوسطية في مجال العقارات.
صناديق الثروات السيادية (SWF) ضخمة وآخذة في النمو
أثمرت سنوات عديدة من التدفق المستمر للعائد المحقق من إنتاج الهيدروكربونات عن تمكن دول الخليج من إنشاء صناديق ثروات سيادية (SWF) لإدارة فائض الميزانية لديها من أجل الأجيال القادمة. فكانت الكويت هي الدولة الأولى في إنشاء مثل تلك الصناديق في عام 1953 متمثلة في الهيئة العامة للاستثمار الكويتية. نمت تلك الصناديق بشكل لا تخطئه العين منذ ذلك الوقت وهو ما انعكس على وجود أربعة من أكبر الصناديق في العالم في دول مجلس التعاون الخليجي (الشكل 2). تقع أغلبية الصناديق الضخمة الأخرى في آسيا حيث تستثمر العديد منها الآن بشكل مباشر في العقارات التجارية لأول مرة في تاريخها. إلا أنه لا يزال أمام تلك الصناديق طريق طويل للحاق بركب صناديق الشرق الأوسط التي استمرت في تخصيص ما بين 5 – 10% من أصولها التي تحت الإدارة للاستثمارات العقارية المباشرة على مدار أعوام عدة. غير أن مؤسسة النقد العربي السعودي هي أحد الاستثناءات الملحوظة حيث تصب غالبية استثماراتها على الأدوات قصيرة الأجل. ومع استمرار وجود فائض في الميزانية، تستمر صناديق الثروات السيادية (SWF) في النمو ويصبح من المنطقي لدينا الآن أن يكون في مقدور جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA) أن يتخطى حاجز التريليون دولار أمريكي في الأعوام القليلة المقبلة مما يعني استثمار ما يزيد على 100 مليار دولار أمريكي في الاستثمار العقاري المباشر إذا ما استمروا على نسبة 10% المخصصة لذلك.
المخاوف الداخلية تقوض النشاط أثناء الأزمة المالية العالمية
على الرغم من استمرار تدفق رأس المال بشكل ثابت، إلا أن الأزمة المالية العالمية قد أسفرت بشكل فعلي عن تقويض النشاط الشرائي لمستثمري الشرق الأوسط (الشكل 3). ففي الوقت الذي انغمست فيه غالبية الأسواق المتقدمة في كساد عنيف، لم تسلم دول الخليج من ذلك حيث شهدت كل من الإمارات العربية والمتحدة والكويت انقباضاً شديداً في اقتصادهما في عام 2009 (بنسبة -4.8% و-7.1% على التوالي). وكان نتيجة لذلك أن اقتضت الحاجة زيادة رأس المال داخل المنطقة لدعم الاقتصاديات المحلية ومن ثم التضحية باقتناص الفرص العالمية. غير أن المستثمرين بالمنطقة كانوا من بين أول المتعافين العائدين إلى السوق في عام 2010 بصفقات ضخمة في لندن ونيويورك وباريس حيث الفرص الشرائية السانحة الجذابة. هذا وشهد عام 2013 موجة صعود قوية في تدفقات رأس المال من المنطقة يدفعها في ذلك الاضطرابات السياسية المتجددة مما أدى إلى تخطي المستوى القياسي الذي سجلته شركة جونز لانج لاسال في عام 2006.
لندن تحتفظ بالصدارة
لا تزال لندن هي الوجهة المفضلة لرؤوس الأموال بالشرق الأوسط. وذلك حيث إن الروابط التاريخية المتأصلة بين المملكة المتحدة ودول الخليج لطالما كانت سبباً في تشجيع حركة انتقال الأفراد بين المنطقتين حيث تلقى العديد من مستثمري الشرق الأوسط تعليمهم في المملكة المتحدة مع احتفاظ الخليج بمكانته بين الوجهات المفضلة للوافدين البريطانيين لسنوات عديدة؛ وهو ما شجع بكل تأكيد على تدفق رؤوس الأموال. في لندن، كان ما جذب الانتباه الأكبر هي الأحياء الكبرى الرئيسية من نايتسبريدج وكينجستون وماي فير بالإضافة إلى ذا سيتي. وعلى صعيد التركيز على المدن الكبرى حول العالم، فقد شهد أيضاً استثمارات في نيويورك وباريس وبرلين (الشكل 4) على مدار العشر سنوات الماضية حيث كان السبب الرئيسي وراء اتخاذ القرار بالاستثمار في تلك المدن الكبيرة هو الطبيعة الآمنة والمستقرة لتلك المدن. اعتاد المستثمرون نظراً للمنطقة غير المستقرة التي نشئوا بها على التركيز على المحافظة على رأس المال وبعض الخصوصية في ما يتعلق بهويتهم على الرغم من تغير ذلك الأمر حالياً إلى حد ما تزامناً مع حضور الشفافية بشكل أقوى في أسواق العقارات مع زيادة عدد الوجهات التي تتوافر بها فرص الاستثمار المحتملة فضلاً عن اختيارهم لمواقع جغرافية بعينها بسبب عوامل خاصة تتعلق بتحقيق نسبة أكبر من العوائد.
الفنادق وعامل الجذب المختلف بشدة
قامت مجموعات المستثمرين الشرق أوسطية بشراء نسبة أكبر من الفنادق مقارنة بالكثير من غيرهم من المستثمرين الدوليين. وتمثل الاستثمارات التي تضخ في القطاع الفندقي عادة ما بين 5 – 10% على هيئة مجموعة استثمارات مختلفة، غير أن ربع حجم أنشطة صناديق الثروات السيادية (SWF) الكبرى في الشرق الأوسط (حيث بعض المجموعات تعمل بشكل يتوافق مع الشريعة الإسلامية) كان منصباً على الفنادق (الشكل 5). ويعكس هذا الاهتمام بالفنادق التركيز على المدن الأساسية في العالم والرغبة في امتلاك أصول ضخمة وآمنة ومستجيبة للتغيرات. هناك خاصية أخرى تميز المجموعات الشرق أوسطية ألا وهي عزوفهم عن البيع؛ وذلك حيث إن نسبة سحبهم للاستثمارات هي الأصغر على الإطلاق مقارنة بجميع الجنسيات الأخرى المدرجة في قاعدة بيانات جونز لانج لاسال لتدفقات رؤوس الأموال العالمية. غير أن ذلك النهج قد يكون بصدد التغيير الآن حيث بدأ يظهر مفهوم جديد لإعادة تدوير رأس المال في سياسات الاستثمار لبعض الصناديق.
الشراكات ودورها الأساسي في النجاح
تزامناً مع ما نشهده من تطور متزايد في سوق العقارات العالمي، نرى أن صناديق الثروات السيادية الشرق أوسطية قد انتهجت نهجاً تحليلياً صارماً على نحو متزايد في استثماراتها. وعلى الرغم من قدرتها الفائقة على عقد صفقات ضخمة بمفردها (الشكل 6)، إلا أنه من بين المكونات الأساسية لتوجهها داخل الأسواق الجديدة والناشئة كان هو الاستعداد لإنشاء مشروعات مشتركة وعقد شراكات مع المطورين والمستثمرين المحليين في دول مثل أستراليا وسنغافورة والمملكة المتحدة والصين. ويعكس اختيار هؤلاء الشركاء الفلسفات الاستثمارية المختلفة لمختلف الصناديق حيث تظل صناديق مثل جهاز قطر للاستثمار والهيئة العامة للاستثمار الكويتية وصندوق الاحتياطي العام للدولة في عمان هي المستثمر الرئيسي بينما جهاز أبوظبي للاستثمار والصندوق العماني للاستثمار وآبار وشركة أبوظبي للاستثمارات تتخذ الطابع الانتهازي بشكل أكبر حيث ظهر ذلك في تحركاتهم نحو أسواق جغرافية جديدة تزامناً مع اتباعهم لاستراتيجيات استثمارية غير مباشرة واستثمارات بالدين. ونحن نتوقع أن يستمر هذا التوجه مع ازدياد حدة المنافسة عالمياً على الأصول مع ارتفاع أهمية الحاجة إلى وجود مصدر محلي جيد للمعلومات (الشكل 7).
التوترات الإقليمية تدفع التعاون بين عائلات الشرق الأوسط
لا يزال الشرق الأوسط منطقة يغيب عنها الاستقرار السياسي وقد رأينا كيف كانت ثورات الربيع العربي الأخيرة مسبباً آخر لتدفق رأس المال. كان ولا يزال للتوترات السياسية أثرها البالغ في حث المجموعات الجديدة والعائلات التي لها بالفعل استثمارات ضخمة في الخليج إلى التجمع معاً وتوجيه تفكيرهم إلى الاستثمار الدولي في شكل أكثر تنسيقاً وانضباطاً حيث ارتفع هذا التوجه بصورة لافتة في المملكة العربية السعودية. ويهتم هؤلاء المستثمرون الخارجيون الجدد بشكل كبير بعوائد الاستثمارات طويلة الأجل والحفاظ على الثروات بدلاً من مجرد جمع محفظة من الأصول الرئيسية. وقد شهد هذا النهج القائد على العوائد بشكل أكبر استثمار مجموعات من الشرق الأوسط في فرص تنطوي على ربح أكبر داخل القطاعات الصناعية واللوجستية بالإضافة إلى اقتناص فرص التعمير والتجديد في قطاع الإسكان في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
تنمية الاقتصادات المحلية سوف يخلق مزيداً من السيولة النقدية للاستثمار
إن تطلع معظم الاقتصادات العالمية الكبرى نحو النمو في تناغم عام 2014 لهو أمر لا بد وأن يكون له أثر إيجابي على منطقة الشرق الأوسط. غير أن تحسن الظروف الاقتصادية المحلية قد يخلق أيضاً منافسة متزايدة على رأس المال. فعلى مدار العشر سنوات المقبلة، سوف تستضيف المنطقة بعض الفعاليات الضخمة مثل معرض إكسبو 2020 في دبي وكأس العالم 2022 في قطر. هذا بالإضافة إلى شروع المملكة العربية السعودية في العديد من مشاريع البنية التحتية الضخمة في قطاعات التعليم والنقل والرعاية الصحية، الأمر الذي سيعطي دفعة قوية للطلب المحلي.
هذا وسيؤدي هذا المزيج من تنمية الاقتصادات المحلية والطلب المستمر على النفط والغاز إلى توفير تدفقات متزايدة من رؤوس الأموال اللازمة للصناديق والأفراد بالشرق الأوسط من أجل الاستثمار في العقارات التجارية عالمياً.
ومع استمرار أسواق العقارات التجارية في النمو وارتفاع مستوى الشفافية والتطور بها عاماً بعد عام، يصبح عدد الخيارات المتاحة أمام المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال الضخمة آخذًا في الارتفاع. وبينما نتوقع أن يظل تركيزهم منصباً على الأسواق الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، إلا أن المدن الرئيسية في الأسواق الناشئة سوف يتوافر بها عدد أكبر من الفرص الاستثمارية. ونحن نتوقع أن تشهد تلك المواقع مستثمرين من الشرق الأوسط مجتمعين مع مصادر أخرى لرؤوس الأموال في محاولة للاستحواذ على محافظ استثمارية وعقد صفقات أصول فردية ضخمة.