بقلم: بورزو دراجى
قد يكون من المغرى وصف الشرك السياسى والأمنى المعقد الذى وقعت فيه ليبيا كنتيجة حتمية للانتفاضة المدعومة من قوات الناتو التى أطاحت بمعمر القذافى ولكن نظرة مقربة إلى الأخطاء الكثيرة التى كان من الممكن تجنبها فى بعض الأحيان من قبل المجتمع الدولى والنخبة السياسية منذ سقوط النظام السابق يمكن أن تخدم ليس فقط تحديد كيفية وضع الدولة مجدداً على المسار الصحيح، وإنما فى وضع قواعد تحذيرية لأى انتقال سياسى آخر فى العالم.
ورغم أن البحرية الأمريكية أحبطت محاولة المتمردين الذين يطالبون بحكم ذاتى فى تهريب شحنة بترول خارج البلاد، فإن ذلك كان بمثابة تذكير للعالم مجددا باستمرار الفوضى فى ليبيا، وبعد ساعات من هذه الواقعة، قتل 9 ليبيين على الأقل وجرح 7 فى قصف لاحتفال تخرج فى الأكاديمية العسكرية فى بنغازي.
وربما لا تكون ليبيا الغنية بالبترول على شفا حرب أهلية ولكنها تعتمد بشكل خطير على أسس إقليمية وأيدلوجية، وهى عملية يقول عنها المراقبون المخضرمون أنه يمكن إيقافها أو ربما إبطاؤها.
متأثرين بالتجربة السيئة فى العراق، تعهد الداعمون الأجانب للثورة الليبية بعدم إبقاء القوات بعد الإطاحة بالقذافى، ووافق الليبيون على ذلك، وربما كان هذا خطأ فادح فبمجرد القضاء على قوات القذافى لم يكن هناك قوة يعتد بها على الأرض لحفظ الأمن والتحكم فى مستودعات الأسلحة، ما أدى إلى ظهور ميليشيات مسلحة واصلت تحكمها فى الدولة ومنعت تقدمها السياسى.
وجعلت الحكومات الانتقالية الضعيفة نفسها أضعف من خلال الاستسلام لمطالب الميليشيات الآخذة فى النمو.
وبينما يحصل كل عضو فى الميليشيات على 1000 دولار شهرياً، لم يفكر أى أحد فى الحكومات الإنتقالية فى إطلاق برنامج لخلق الوظائف لكى ينتشل الشباب من الشوارع، رغم أنها تنفق 55 ملياراً سنويا على الطعام ودعم الوقود والقطاع الخاص الذى لا يقوم بأعمال حقيقية سوى أعمال مكتبية.
ورغم الموارد المالية الضخمة لليبيا، لم يفكر أحداً ممن ترأس الحكومات الانتقالية بعد زوال القذافى فى تقديم برنامج ذو مصداقية لإعادة شراء السلاح، أو حتى قام بمجهودات رمزية لجعل السلاح تحت سيطرة الدولة، أى لم يكون هناك أى استراتيجية لنزع السلاح حسبما قالت كلادويا جازينى من مجموعة الأزمات الدولية.
كما أن الأخطاء السياسية للحكومات الانتقالية كان يمكن تجنبها بسهولة، فعلى سبيل المثال، تجاهلت الحكومات المتعاقبة المطالب البسيطة للأقليات من الأمازيغ والطوارق والتبو من لغة أساسية وحقوق ثقافية، وبذلك أضاعوا احتمالية تكوين تحالفات قيمة فى صراعهم لتأسيس دولة جديدة.
ورغم الوعود، لم يخضع القطاع العام المنتفخ وغير الفعال أبدا لإصلاحات ولم يزداد شفافية ما ساعد على تغذية التصورات بأن الفساد متواصل.
وولد الغضب بشأن الفساد ظهور إبراهيم جدران الذى سيطر على محطات البترول الشرقية الرئيسية يوليو الماضى ثم قسم البترول مناصفة مع الحكومة باسم «الفيدرالية» وهى حركة طالبت بتخصيص المزيد من الموارد للشرق الذى أهمل طويلاً.
وأخيراً، وربما الأمر الأكثر أهمية هو تورط النخبة الليبية – تأثراً بالأحداث فى جارتها مصر – فى معركة بغيضة ومتهورة بتحريض الإخوان المسلمين فى الدولة على معارضيهم.
وتحتمل مصر بجيشها ومؤسساتها مثل هذا الاقتتال حتى تونس أيضاً، أما فى ليبيا الضعيفة فهذا يعنى أن الطبقة السياسية وضعت بجانب أمر بناء المؤسسات الحرج والحساس للوقت فى سعيها للسلطة.
وبمجرد سقوط القذافى توقع البعض نشوب معارك سياسية، ولكن اللاعبين الدوليين كان بإمكانهم القيام بمجهودات أكبر لتأمين ليبيا حتى ولو من أجل مصالحهم، وربما كانت النخبة السياسية تميل لنموذج سياسى أكثر توافقية بكثير، ويعتقد الكثيرون أن هذا لا يزال بمقدورهم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز