بقلم: بولنت أراس
جاءت زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية فى لحظة حاسمة بالنسبة للمملكة، فقد كشف قرارها الأخير بسحب سفيرها من قطر النقاب عن مدى خطورة الأزمة فى مجلس التعاون الخليجى، وفى الواقع، تتجه سياسات الخليج نحو توازن جديد فى أعقاب التقارب السعودى الإماراتى وسعيها الأخير نحو عزل قطر.
وانضمت الإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى السعودية فى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وتعد تلك الخطوة غير عادية، نظراً لاعتياد دول الخليج على معالجة خلافاتها السياسية باعتبارها شئون داخلية فيما بينها، واستمرت عمان فى تجنبها التطرق لهذا الأمر، فى حين تسعى الكويت إلى التوسط بين السعودية وقطر.
وتدفع العديد من العوامل السعودية للتحرك ضد قطر، بما فى ذلك حظر المثقفين السعوديين من المساهمة فى الصحف القطرية، وهناك أيضا دعم قطر للإخوان المسلمين فى مصر وغيرها من الدول الأخرى، وسياسة قناة الجزيرة التى تمولها قطر منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والتسليم بالرأى القائل بأن الأخيرة تستضيف مؤسسات غربية تهدف إلى تنظيم انقلاب فى المملكة العربية السعودية.
ويعكس هذا الرأى موقف السعودية المتشدد ضد الإخوان المسلمين، التى أعلنت أنها منظمة إرهابية، وترى المملكة أثر الإخوان المسلمين فى البلدان العربية، ولاسيما دول الخليج، كتهديد خطير على بقائها واستقرارها الداخلي.
ولكن موقف السعودية تجاه قطر قد يخلق بعض الصعوبات أمام سياساتها، فهناك حركة نقل كبيرة للبضائع والخدمات واستثمارات عبر الحدود تقدر بمليارات الدولارات فى أنحاء الخليج، أى أن ازدياد التفكك بين دول التعاون الخليجى سيعرض النشاط الاقتصادى للخطر.
وتكمن المشكلة بالنسبة للمملكة فى أن تصحيح الموقف القطرى لن يتمكن من تغيير المسار السياسى داخل المنطقة، ولاسيما فى سوريا ومصر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض السعودية لسياساتها المفضلة على دول التعاون الخليجي، جنبا إلى جنب مع إمكانية فرض عقوبات على قطر، سيعرض كل ما حققته دول التعاون الخليجى على مدار ثلاثة وثلاثين عاما للخطر.
ورغم أن حكام قطر ينتابهم القلق حيال العداء السعودى المتنامى تجاههم، فإنهم لم يبدوا أى إشارة لخضوعهم للمطالب السعودية بتغيير نهجهم، وعلاوة على ذلك فإن عداء السعودية لجيرانها هو الأكثر خطورة نظرا للتأثير الجيوسياسى الاقليمى للاتفاقية النووية المؤقتة بين إيران والغرب، وما يزيد الأمور سوءا، أن الخلافات بين دول التعاون الخليجى لم يعد من الممكن حلها من وراء الكواليس، كما أن الدول الأعضاء لن تتمكن من مناقشة تلك الخلافات علنا دون المجازفة بقطيعة دبلوماسية.
وباتت الأقلية، فى أنحاء المنطقة، تشعر بأنها أكثر تمكنا والمواطنون يطالبون بمطالب أقوى من أى وقت مضى للتمتع بحكم أفضل، وهناك رغبة متزايدة حيال مستقبل يخلو من السياسات التقليدية التى تقوم على الخوف والغضب.
وفى هذا السياق، تبدو السعودية عالقة فى الماضي، وقد اختارت المملكة تبنى استراتيجية الاعتماد على الذات لعزل نفسها عن المشاكل الموجودة خارج حدودها، ورغم ذلك مازالت تعتبر نفسها الوسيط القوى فى المنطقة، ولم ينتج التقارب المفاجيء بين السعودية والامارات عن الجاذبية التى تتمتع بها السياسة السعودية، ولكن من التصور المشترك بين حكامهما بأن هناك ندرة فى الخيارات السياسية.
وسوف يكون من الحكمة، بالطبع، أن تواجه حكومات دول التعاون الخليجى مشكلاتها الحقيقية التى تمتد من الأقليات الساخطة إلى الاقتصادات التى تعد غير قادرة على خلق فرص عمل كافية للشباب، ولكن حل مثل هذه القضايا يتطلب تبنى نهجاً شاملاً ومرناً، داخلياً وإقليمياً، والسعودية، على وجه الخصوص، غير مستعدة لتبنى مثل
هذا النهج.
والمأزق الذى تقع فيه دول الخليج سيؤدى إلى تفاقم الوضع الهش بالفعل فى الشرق الأوسط.
المصدر: موقع بروجيكت سينديكيت
إعداد: نهى مكرم