تصاعد العجز التجارى يدفع معدلات النمو للتراجع وسط تصاعد مشكلة الاقتصاد غير الرسمى
تتمتع دولة بيرو بمواد خام عالية الجودة وطاقة رخيصة، وتعد حالياً ثالث أكبر منتج للنحاس فى العالم، وينتظر أن يتضاعف هذا الإنتاج فى الثلاث سنوات المقبلة بفضل افتتاح عدة مناجم منخفضة التكلفة.
وبدلاً من أن يسجل هذا الانتعاش فى الاستثمارات فجراً جديداً لهذه الدولة اللاتينية، جاءت هذه الزيادة الإنتاجية فى وقت غروب طفرة السلع العظيمة التى صاحبت موجة التصنيع فى الصين والهند، التى سبق أن ساعدت على تعزيز الميزان التجارى للكثير من دول أمريكا اللاتينية ومنحتها عقداً رغيداً.
ولكن هذا الوضع لم يعد قائماً، فباستثناء البترول والغاز، تراجعت أسعار السلع بمقدار %25 من المستويات التى شهدتها فى 2011، بل إن أسعار المعادن هبطت بقدر أكبر من السلع الغذائية.
واستطاعت اقتصادات امريكا اللاتينية تحقيق معدلات نمو سنوية بلغ متوسطها %4.3 خلال الفترة من 2004 حتى 2011، بينما لم تتعد معدلات النمو العام الماضى %2.6.
وتبددت الآمال بتسارع النمو هذا العام، فالبرازيل اضطرت إلى زيادة أسعار الفائدة بحدة لاحتواء التضخم، كما أنها فى الغالب لن تتجاوز نسبة نموها العام الماضى عند %2.3، أما المكسيك، الأقل اعتماداً على السلع من أمريكا الجنوبية، فلا يتوقع لها أداء أفضل.
وعلاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن تشيلى تنمو بأبطأ معدل لها منذ أربع سنوات، وأصاب الصقيع الاقتصادى أيضا دولتى بيرو، وبنما التى كانت بمثابة النجم الاقتصادى فى المنطقة العقد الماضي، وقد شهدت نموا فى عام 2013 بنسبة %5 بعد المتوسط الذى حققته منذ عام 2005 عند %7.
ويقول المتشائمون إنه بعد إهدار الانتعاشة الاستهلاكية، ستظهر نقاط الضعف الاقتصادية التقليدية فى المنطقة خاصة مع تراجع أسعار السلع.
أما أكبر تهديد للاستقرار المالى فيكمن فى التراجع الحاد فى النمو الصيني، وقال وزير الاقتصاد والمالية، ميغيل كاستيلا، فى بيرو إن أسعار السلع مازالت فوق متوسطات الأسعار خلال العشر سنوات الماضية، وأنه حين يهبط النمو الصينى عن %7، فإن هذا سيتغير، ولكنه أكد أن بيرو مثل تشيلى وكولومبيا لديها مجال كاف للاستجابة للوضع من خلال الإجراءات المالية والنقدية.
أما المشكلة الأكبر من عدم الاستقرار الاقتصادى هى تباطؤ النمو فى أمريكا اللاتينية واعتبار نسبة %3 هى المعدل الطبيعى الجديد، وقال اليخاندرو فيرنر، خبير اقتصادى بشئون أمريكا اللاتينية فى صندوق النقد الدولي، إن توقف التحسن فى الميزان التجارى للمنطقة تسبب فى تراجع النمو بعدة نقاط مئوية، ولكن فى ظل تمتع المنطقة بمعدل عمالة كاملة وبطء وتيرة نمو القوة العاملة والدين المحلي، ينبغى أن تتطلع أمريكا اللاتينية بشكل أكبر إلى تحسين الإنتاجية لتعزيز الناتج المحلى الإجمالي.
وقد تحسنت الإنتاجية قليلا، لكنها مازالت خلف آسيا، وترجع أسباب هذا التخلف إلى عدة سنوات للوراء، فرغم ازدياد عدد المتعلمين من الأمريكيين اللاتينيين، أثبتت الاختبارات الدولية أن أمامهم الكثير لتعلمه فى المدارس، كما أن الشركات بكل أحجامها فى تلك البلدان تفتقر إلى الابتكار نسبيا، وتعانى المنطقة فقر شبكات المواصلات ونقص التنافسية خاصة فى قطاع الخدمات.
ويذكر تقرير لمجلة «الإيكونوميست» أن هناك عائقاً آخر كبير أمام النمو فى أمريكا اللاتينية وهو ضخامة الاقتصاد غير الرسمى، ففى بيرو على سبيل المثال يعمل ما لا يقل عن %61 من القوى العاملة فى الاقتصاد الموازي، وقال وزير الإنتاج، بيير جيزي، إن الاقتصاد الموازى كان مهربا عندما كانت بيرو دولة فقيرة أما الآن فهو بمثابة مشكلة.
وأعدت شركة «ماكينزى» الاستشارية دراسة للوقوف على سبب عمل حوالى %50 من القوى العاملة المكسيكية فى الاقتصاد غير الرسمي، واكتشفت أن العمال المكسيكيين أصبحوا أقل إنتاجية على مدار الثلاثة عقود الماضية، ورغم الإصلاحات الاقتصادية العديدة، انخفضت إنتاجية العامل من 18.30 دولار فى الساعة عام 1981 إلى 17.19 دولار فى 2012.
وأرجعت «ماكينزي» سبب تراجع الإنتاجية إلى أن المكسيك لديها اقتصاد مزدوج، فالإنتاجية بشكل عام فى المصانع الحديثة المرتبطة بالاقتصاد العالمى ارتفعت بنسبة %5.8 سنويا منذ 1999، بينما إنتاجية الشركات الصغيرة المكونة من عشرة عمال أو أقل التى تعتبر معظمها غير رسمية تراجعت من %28 من إنتاجية الشركات الكبيرة المكونة من 500 عامل أو أكثر فى 1999 إلى %9 فى 2009.
وتوظف الشركات الصغيرة نسبة كبيرة ومتزايدة من القوى العاملة – تصل %42، وحل مشكلة الإنتاجية أكثر تعقيداً بكثير من تخفيض عجز الموازنة، كما ان حل مشاكل التصاريح وتمويل مشروعات البنية التحتية يستغرق سنوات عديدة، ويحتاج إصلاح التعليم وقتاً مماثلاً، أما مشكلة الاقتصاد غير الرسمى فتعد مشكلة ثقافية بقدر ما هى اقتصادية.
ومع ذلك، لا تستطيع الحكومات تحمل تأخير الإصلاحات، فالمخاطر التى تواجهها المنطقة ليست أزمة مالية لكنه تصادم بين النمو المنخفض والتوقعات العالية للطبقة المتوسطة المتنامية، وأظهرت الاحتجاجات فى البرازيل يونيو الماضى أن هذا التصادم قد يكون متفجر سياسياً.