بقلم: لورينزو بينى سماجى
لا يثير التصريح المدهش لجينز فايدمان، رئيس البنك المركزى الألماني، بأن التيسير الكمى «ليس خارج حساباتنا تماماً» الدهشة بقدر ما هو متوقع.
وأوضح حكم المحكمة الألمانية الشهر الماضى – بشأن التعاملات النقدية المباشرة للبنك المركزى الأوروبى – أن المشكلة الرئيسية فى الالتزام «بما يتطلبه الأمر» لإنقاذ منطقة اليورو تكمن فى الطبيعة غير المحدودة والتى قد تؤدى إلى شراء البنك المركزى كميات كبيرة من أصول دولة بعينها وبالتالى يتحمل فى ميزانيته مخاطر قد تؤدى إلى عواقب تخرج عن سيطرة البرلمان القومي.
أما هذا التصريح فإنه يعترف ضمناً بأنه لا توجد اعتراضات على شراء الأصول إذا كانت محدودة وليست مفتوحة وإذا كانت تمتد عبر منطقة اليورو بأكملها بدلا من التركيز على دولة واحدة.
وعلاوة على ذلك، فإن التيسير الكمى مختلف فى جوهره عن برنامج سوق الأوراق المالية الذى طبقه البنك المركزى الأوروبى فى 2010-2011 وعارضه بعض أعضاء مجلس إدارة المركزى الأوروبى بشدة.
وكان برنامج الأوراق المالية يهدف إلى إصلاح آلية انتقال النقدية، وقد تم خرقه فى بعض البلدان نتيجة ارتفاع مخاطر الائتمان على السندات الحكومية، وبتدخل المركزى الأوروبى فى سوق السندات الحكومية لدولة عضو، تدخل البنك فى تقييم المخاطر السيادية، وهذا لا يتماشى مع المهام الرئيسية للسياسة النقدية.
ومن وجهة النظر تلك، فإن مهمة إصلاح آلية انتقال النقدية تقع على عاتق السلطات المالية الوطنية، وعلى عاتق المستشارين المصرفيين الذين كان ينبغى عليهم تعزيز شروط رأسمال البنوك.
وعلاوة على ذلك، فإن برنامج الأوراق المالية ليس أداة تقليدية للسياسة النقدية ولا يؤثر على الأحوال النقدية الكلية لمنطقة اليورو وإنما على بعض أجزائها فقط، وفى الواقع فإن تأثير برنامج شراء الأوراق المالية تم تقويضه بشكل نظامى من قبل البنك المركزى الأوروبى من خلال المناقصات الأسبوعية على الودائع بأجل.
وباختصار، فإن الأداتين الرئيسيتين اللتين استخدمهما البنك المركزى الأوروبى لمكافحة عدم الاستقرار المالى – برنامج الأوراق المالية والتعاملات النقدية المباشرة – مختلفتان تماماً عن برنامج التيسير الكمى ليس فقط فى طبيعتهما وإنما فى نطاقهما أيضاً، وبالتالى قد يعارض أحد ما هاتين الأداتين ولكن يكون مؤيداً للتيسير الكمى للأسباب التالية.
أولا، يفقد البنك المركزى الأوروبى مهمته الأساسية وهى الحفاظ على استقرار الأسعار، وقد عرّف البنك المركزى استقرار الأسعار كنسبة زيادة فى الأسعار أقل من %2 ولكن قريبة منها، بينما تشير البيانات الحالية إلى أن التضخم من المرجح أن يبقى أقرب لنسبة %1 وليس %2.
ثانيا، استنفد البنك المركزى الأوروبى مساحته للمناورة بالأدوات التقليدية مثل سعر الفائدة، وسوف يضطر المركزى إلى مصاحبة التخفيض فى سعر التمويل الأساسى بفائدة سلبية على الودائع، وهذا له تأثير غير معروف على الأحوال النقدية على المدى المتوسط.
ثالثا، تعتمد الأدوات غير التقليدية التى استخدمها المركزى الأوروبى حتى الآن على رغبة بنوك منطقة اليورو فى استخدامها، فعمليات ضخ السيولة طويلة المدى “LTRO” كانت تضخ سيولة فى النظام بالقدر الذى ترغب فيه البنوك بسيولة إضافية مقابل ضمانات، وفى ظل تباطؤ التعافى والآثار السلبية المرافقة لتلك العمليات، يبدو أن القليل من البنوك لديها شهية لمثل هذه الأدوات.
وما يحتاجه الاقتصاد الأوروبى فى هذه المرحلة هو أداة مثل شراء الأصول من المؤسسات المالية مما يؤثر على هيكل محافظ تلك المؤسسات ويغريها على ضخ السيولة التى تحصل عليها إلى بقية أجزاء الاقتصاد.
وأخيرا، تواجه منطقة اليورو طلباً عالمياً متزايداً على أصول مقومة باليورو نتيجة هروب رؤوس الأموال من الاقتصادات الناشئة وتنويع المحافظ، ما دفع سعر صرف اليورو لمستويات لا تتناسب مع التعافى الضعيف، وبينما يحتاج الدين إلى التخفيض فى جميع دول منطقة اليورو، فإن الطلب على أصول باليورو لا يمكن تحقيقه سوى من خلال خلق المزيد من السيولة من قبل البنك المركزي.
وكلما أجّل البنك المركزى التحرك، زادت خطورة تبدد الآمال بزيادة التضخم تدريجيا، لذا كلما انتظر المركزى الأوروبي، ازداد حجم السياسة التوسعية التى سيحتاجها، وبالتالى من المرجح أن يلجأ إلى التيسير الكمي.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز