أعلنت نيجيريا أنها أكبر اقتصاد فى أفريقيا كما لو أن معها عصا سحرية، فبين عشية وضحاها، ومع تلويحة من العصا السحرية نحو البيانات الإحصائية، أضافت نيجيريا %89 إلى ناتجها المحلى الإجمالي، لتبلغ قيمته الآن 510 مليارات دولار وليرتفع عن قيمة الناتج المحلى الإجمالى لغريمتها السابقة، جنوب أفريقيا، الذى يبلغ 370 مليار دولار، فلم يتغير شىء فى الاقتصاد الحقيقى فى نيجيريا عدا الطريقة التى يتم بها قياس الأداء الاقتصادي.
ولا تعتبر مراجعة الناتج المحلى الإجمالى مجرد خدعة، فقد أعطتنا صورة أصدق لحجم نيجيريا من خلال إعطاء بعض أجزاء الاقتصاد حجمها الحقيقى الذى تستحقه، مثل الاتصالات والخدمات المصرفية وصناعة افلام نوليوود، التى أخذت تنمو سريعا فى السنوات الأخيرة، وتؤكد الأرقام الجديدة فى نيجيريا أنها حقاً عملاق القارة.
وأخذ الاقتصاد النيجيرى ينمو بمعدل متوسط حوالى %7 على مدار العقد الماضي، إذ إنها تعد دولة غنية بالموارد ولاسيما البترول، كما أن بها رواد أعمال مفعمين بالحيوية والطموح بأن تكون نيجيريا مركزا للتكنولوجيا فى أفريقيا، ما شجع انطلاقة العديد من المشاريع فى التجارة الالكترونية مثل شركتى “كونجا” و”جوميا”، كما أن بها عمالقة فى الصناعات الأخرى مثل شركة “أسمنت دانجوتي”، التى تعتزم إدراج أسهمها فى بورصة لندن، كما فعلت شركة “سيبلات” للبترول هذا الأسبوع، كما أنه من المرجح أن تصبح الشركة جزءا من المحفظة المالية للعديد من صناديق المعاشات.
والأعداد المتزايدة من الأجانب الراغبين فى الاستثمار فى النمو الأفريقى سوف تقوم بشراء الأسهم النيجيرية؛ فبعد سوق جوهانسبرج للأوراق المالية فى جنوب أفريقيا، تعتبر مدينة لاجوس، أكبر مدن نيجيريا، بها أكبر سوق سائل فى المنطقة.
ولكن الأرقام الجديدة للناتج المحلى الإجمالى فى نيجيريا تذكرنا أيضا بما يجب تغييره، فربما تكون الدولة عملاقة حقا ولكنها مازالت فقيرة، إذ تحتل نيجيريا المرتبة 153 من بين 187 دولة فى الدليل القياسى للتنمية البشرية التابع للأمم المتحدة، وعلى الرغم من نموها الاقتصادى السريع فى السنوات الأخيرة، فمازالت معدلات البطالة بها مرتفعة، كما ازداد أعداد المواطنين الذين يعانون الفقر.
وحتى مع مراجعة أرقام الناتج المحلى الإجمالي، فإن الناتج المحلى الإجمالى للفرد فى جنوب افريقيا ضعف الناتج المحلى الإجمالى للفرد فى نيجيريا إذ يبلغ 2.700 دولار للفرد.
وفى الوقت الذى تتمتع فيه أجزاء كبيرة من جنوب أفريقيا ببنية تحتية كتلك التى موجودة فى أى دولة غنية، تعانى نيجيريا انسداد حركة المرور وانقطاعاً مزمناً فى الكهرباء، كما أن عدم وجود التنمية اللازمة يساعد على ازدياد التمرد فى شمال البلاد وإشعال العنف فى الأماكن الأخرى مما يخلق مناطق محظورة بالنسبة للأجانب.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أوضحت مراجعة أرقام الناتج المحلى الإجمالى أن معدل نمو نيجيريا آخذ فى التراجع، وربما يصل العام الجارى إلى %6.5، ومن أجل استيعاب الملايين من الشباب المتدفقين إلى سوق العمل، تحتاج البلاد إلى معدلات نمو مزدوجة مستدامة.
ومن أجل تحقيق الإصلاحات اللازمة فى نيجيريا، يتعين على الرئيس جودلاك جوناثان محاربة الفساد، ولكنه قام بدلا من ذلك بإقالة محافظ البنك المركزى الذى دق ناقوس الخطر حيال مليارات الدولارات من عائدات البترول المفقودة من خزانة الدولة، كما أن تحصيل الضرائب غير كافٍ على الإطلاق، وأوضح ارتفاع الناتج المحلى الإجمالى أن عائدات الضرائب ستكون أقل من حيث نسبة مساهمتها فى الاقتصاد عما كان متوقعا، فضلا عن أن عوائق ممارسة الأعمال التجارية هائلة، بدءا من البيروقراطية إلى غموض حقوق الملكية.
فلتحتفل نيجيريا بالمكانة الجديدة التى أوجدتها لنفسها للحظات، لتبدأ بعد ذلك فى المضى قدما حيال مهمة الحفاظ على مكانتها كالدولة رقم واحد فى أفريقيا.