على الرغم من موافقة الحكومة النهائية على إستخدام الفحم فى صناعة الأسمنت ، كأحد مصادر الطاقة ، إلا أن الخلافات بين المنتجين الذين يعانون من تراجع إنتاجهم نتيجة نقص إمدادهم بالغاز و المازوت من جهة ، و ناشطين فى مجال البيئة و الصحة من جهة اخرى لم يحسم بعد .
و فى الوقت الذى يرفض فيه قطاع من المجتمع إستخدام الفحم ، خشية أضراره البيئية و الصحية على المواطنين ، و هو الرأى الذى تعبر عنه الحركة الشعبية ” مصريون ضد الفحم ” ، إلا أن المصانع تؤكد أن الفحم يستخدم فى كافة دول العالم وفق معايير تضمن تقليل الإنبعاثات الناتجة عن حرقه و تحافظ على سلامة البيئة و صحة المواطنين .
و تتكون صناعة الأسمنت فى مصر من 21 شركة تمتلك 24 مصنعا بإستثمارات تصل إلى 60 مليار جنيه و تبلغ طاقتها الإنتاجية 68 مليون طن سنويا ، و تساهم بنسبة 2 % من إجمالى الناتج المحلى .
” انتاج مصانع الأسمنت إنخفض بنسبة 11 % العام الماضى مقارنة بالعام 2012 …و فى شهور الصيف تصل معدلات إنخفاض الإنتاج إلى 50 % نتيجة الصعوبات المتزايدة التى تعانى منها صناعة الأسمنت صناعة الأسمنت منذ عامين و نصف فى الحصول على الغاز الطبيعى و المازوت ، اللازمين لتشغيل خطوط الإنتاج ” وفقا لعمر مهنا رئيس مجلس إدارة مجموعة السويس للأسمنت ، و التى تمتلك خمسة مصانع في السويس والقطامية وطره وحلوان والمنيا، بإجمالي إنتاج يصل إلى حوالي 12 مليون طن من الكلنكر سنوياً.
“5 ملايين طن تراجعا فى الإنتاج نتيجة أزمة الطاقة التى تعانى منه الابلاد العام الماضى ، الأمر الذى دفع بعض الشركات لإستيراد ” الكلينكر ” من أوروبا و تركيا ، و هو أسمنت غير تام الصنع و يتم إستكمال تصنيعه و تعبئته فى المصانع المحلية ، لأنه لا يحتاج إلى وقود لإنتاجه “، يضيف مهنا .
و كما يقول مهنا فإن الفحم و كوك البترول يدخلان بنسبة 80 % من خليط الوقود المستخدم فى صناعة الأسمنت فى العالم ، بما فى ذلك بعض الدول المصدر للنفط و الغاز مثل الإمارات المتحدة و أمريكا ، و تمتلك مصانع الأسمنت من الخبرة و التكنولوجيا التى تمكنها من السيطرة و الحد من الآثار البيئية الناتجة عن إستخدامهما .
” صناعة الأسمنت هى الصناعة الأمثل و الأقدر على إستخدام الوقود الصلب و خاصة الفحم ..و إستخدام الفحم سيوفر للدولة 5 مليارات دولار سنويا كانت تنفقها على إستيراد المازوت لإستخدامه فى محطات توليد الكهرباء ..لإستبدال الفحم بالغاز الذى يتم حرقه حاليا فى صناعة الأسمنت ” حسب قول مدحت إسطفانوس ، رئيس شعبة صناعة الأسمنت فى إتحاد الصناعات المصرية ، و نائب المدير التنفيذى لشركة تيتان مصر اليونانية .
و نفى إسطفانوس إقدام المصانع على إستيراد الفحم دون إلتزام بالمعايير و الإشتراطات البيئية التى تعتزم الحكومة إقراراها .
” القانون الحالى ينظم إستخدام كافة أنواع الوقود و لا يمنع إستخدام الفحم ..و قرار مجلس الوزراء بالسماح للشركات بإستخدام الفحم ..صدر لينفذ فورا حسب المعايير التى ينظمها القانون الحالى ..و ذلك حتى تصدر التعديلات الجديدة على قانون البيئة فى غضون ثلاثة أشهر على الأكثر حسب نص القرار ” يقول إسطفانوس
قال إسطفانوس إن الشركات ستلتزم بالمعايير الحالية و التى تتوافق مع المعايير الدولية ، و أن التكنولوجيات المستخدمة لن تسمح إلا بإلتزام كامل بالمعايير الأوروبية .
” هناك 3 أو 4 خطوط جاهزة للعمل بشكل سريع و شركات أخرى فى إتجاهه للتحول فى غضون فترة تتراوح بين 6 و 8 أشهر ..و يمكنها توفير الفحم اللازم لها سواء بالإستيراد أو من الفحم البترولى الذى تنتجه و تصدره حاليا شركة ميدور ..و لن يستخدم فحم جبل المغارة بسيناء لانه لا يصلح من الناحية الفنية ” يضيف إسطفانوس .
و تشير دراسات إلى أن حجم الإستيراد من الفحم سيصل إلى 6 ملايين طن سنويا فى حال تحول المصانع إلى إستخدامه بشكل كامل ، و المتوقع أن يتم إستقباله فى موانئ الدخيلة و بورسعيد و العين السخنة و الأدبية و سفاجا .
و تحدى إسطفانوس المعارضين لإستخدام الفحم قائلا ” إن التجربة العملية فى الخطوط الإنتاجية التى ستعمل بالفحم خلال الأسابيع المقبلة ستثبت صدق الشركات و تخرس الألسنة ” ، مشددا على أن ” كل دول العالم المتقدمة تستخدم الفحم فى صناعة الأسمنت و توليد الكهرباء ” .
“الطاقات الجديدة و المتجددة لا يمكن أن تكون الحل البديل لتوفير الطاقة لمصانع الأسمنت كما يروج البعض ” يقول إسطفانوس ، موضحا أنها تصلح فى توليد الكهرباء ولكنها غير ممكن الإعتماد عليها كوقود لتشغيل الأفران ..إلا أنه أشاد بفكرة إستخدام المخلفات الصلبة و المنزلية و الوقود الحيوى و الذى قال إنه أيضا لن يكون حلا وحيدا أو كافيا لتوفير الوقود للمصانع و إنما يمكن إستخدامه بنسبة قد تصل فى أفضل الأحوال إلى 30 % .
قال إسطفانوس إن سعر إستيراد الفحم و حتى وصوله إلى أرض المصنع مرورا بتكلفة الشحن و الجماك و النقل سيكون أقل من سعر الغاز الذى تحصل عليه حاليا بـ 6 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية بقيمة نصف دولار ..موضحا أنه و إن كان السعرين متقاربين إلا أن الأهم هو إتاحة مصدر جديد و دائم للوقود و مستقر فى أسعار على المدى المتوسط و البعيد .
و عن الضريبة الكاربونية التى تعتزم الحكومة فرضها على الشركات المستوردة للفحم قال إنه ليس متفقا مع فرضها خاصة و أنه لا يوجد محددا لإحتسابها ، و إن قال إنه فى حالة فرضها من الحكومة فغن الشركات لن تعترض عليها على أن تكون فى حدود مقبولة و لا تؤثر على تنافسية المنتج النهائى .
و على الجانب الأخر قال أحمد الدروبى ، المنسق العام لحملة ” مصريون ضد الفحم ” إن مصانع الأسمنت لديها تاريخ ” سيئى ” من عدم الإلتزام بالمعايير البيئية و الصحية فى مصر ، و هو ما يثير المخاوف من عدم إلتزامها بمعايير إستخدام الفحم .
” الفحم ليس حل مؤقت و سنضطر لإستخدامه لمدة لا تقل عن 20 سنة …لإستعادة الإستثمارات التى سيتم ضخها للتحول نحو إستخدامه ..على الرغم من أن مشكلة إنتاج الغاز سيتم حلها فى الفترة ما بين العام 2018 و 2024 ” يقول الدروبى .
و يشير الدروبى إلى أن مصانع الأسمنت سجلت 850 مخالفة بيئية خلال العام 2012 إرتفعت إلى 950 مخالفة العام الماضى و ذلك بدون إستخدام الفحم ” إلى أى مدى قد تزيد هذه المخالفات بعد إستخدام الفحم ؟؟” يتسأل الدروبى .
و يضيف أن دول العالم المتقدم تتجه لتقليل إعتمادها على الفحم فى الوقت الذى تبحث فيه مصر عن الإعتماد عليه فى محطات الكهرباء و المصانع ، و أنه كان من الأولى النظر إلى الطاقات الجديدة و البديلة لحل ازمة الطاقة فى مصر .
قال الدروبى إنه لا توجد ضمانات لإلتزام المصانع بإستخدام فلاتر للحد من الإنبعاثات خاصة و أن تكلفتها مرتفعة جدا و يحتاج تصنيعها إلى ما لايقل عن 27 شهرا بينما اعلنت مصانع محلية عن قرب إستخدامها للفحم بشكل فعلى رغم أن قرار الحكومة لم يمر عليه أكثر من شهر .
وزارة البيئة نفسها تعترض على إستخدام الفحم ..و دراساتها أكدت أن تكلفة إستعماله فى مصانع الأسمنت على الصحة تصل إلى 3.4 مليار جنيه سنويا ” يضيف الدروبى .
وصف الدروبى موافقة الحكومة على إستخدام الفحم بأنها كمن ” ينظر تحت رجليه ” و لا يرى العواقب فى المستقبلو تكلفته على صحة المواطنين و البيئة .
و حذر من بعض المشكلات المتعلقة بالتهاون فى تطبيق الإشتراطات خاصة فيما يتعلق بطرق الإستيراد و نوعية الفحم المستخدم و ما إذا كان جيدا أم لا ، و كذلك طرق نقله إلى المصانع و التى تقع وسط المناطق السكنية ، و ما إذا كان من المممكن إستخدام نهر النيل فى نقله و الذى قد يزيد من تلوثه ، و كذلك فى صرف و معالجة المياه الناتجة عن غسل الفحم فى المصانع و التى تتضمن مواد كيميائية خطرة .
و حسب دراسة لشركات الأسمنت ، تستهلك مصانع الأسمنت 450 مليون قدم مكعب غاز يوميا تعادل 3.7 مليار متر مكعب سنويا ، و حوالى 4500 طن مازوت يوميا ، تعادل 1.4 مليون طن سنويا .
و عقدت نقابة الأطباء مؤتمرا قبل أيام تضامنت فيه مع الدعاوى المناهضة لإستخدام الفحم و حذرت من إرتفاع نسب الوفاة بسبب أمراض الصدر المزمنة و حالات السرطاطن التى يسببها .