يتساءل مارتن وولف فى مقال له بصحيفة الفاينانشيال تايمز، لماذا تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية انخفاضاً كبيراً؟ وهل ستظل عند مستوياتها المتدنية هكذا لفترة طويلة؟ فإذا استمر انخفاض أسعار الفائدة، فكما يرى وولف، ستكون الآثار عميقة: جيدة بالنسبة للمدينين وسيئة بالنسبة للدائنين.
ومن أهم ما توصل إليه صندوق النقد الدولى فى أحدث تقرير له بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية، أولاً، أن العولمة دمجت التمويل، فمن المعتاد أن يكون هناك اختلاف واسع فى أسعار الفائدة الحقيقية بين مختلف البلدان، ولكن لم يعد هذا هو الحال الآن منذ أن أصبحت أسعار الفائدة فى كل مكان رداً على تأثيرات مشتركة بين دول العالم.
ثانيا: إن أسعار الفائدة الحقيقية، المعدلة وفقاً للتضخم، تراجعت تراجعا كبيراً منذ ثمانينيات القرن الماضى، فتقترب أسعار الفائدة لأجل عشر سنوات من الصفر وأسعار الفائدة قصيرة الأجل سلبية.
ويرى صندوق النقد الدولى أن تغييرات السياسة النقدية فى ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضى كان لها الـتأثير الأقوى على أسعار الفائدة الحقيقية، وفى أواخر التسعينيات، أصبح تشديد السياسة النقدية عاملا رئيسيا لتراجع أسعار الفائدة الحقيقية، والعامل الآخر المهم لتراجعها هو انخفاض أسعار السلع الاستثمارية بالنسبة إلى السلع الاستهلاكية.
ولكن الأمر تغير منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، فقد ارتفع معدل الادخار فى الاقتصادات الناشئة، ويعود ذلك إلى حد كبير لارتفاع الدخل، وبدأ المستثمرون يفضلون الأصول الآمنة، والأهم من ذلك أن الأزمة المالية الأخيرة أدت إلى انهيار الاستثمارات وارتفاع معدل الادخار الخاص فى الاقتصادات المتضررة.
ويقول وولف إن أهم أثر لتغييرات السياسة النقدية فى أواخر التسعينيات هو ما عاد على الادخار والاستثمار الوطني، فعلى الصعيد العالمي، يجب أن يتساوى الادخار والاستثمار، لذلك فإن التغييرات فى معدل الادخار العالمى لن يقول لنا شيئا حيال ما إذا كان هناك «تخمة ادخار» متزايدة، أى وجود رغبة مفرطة فى الادخار عن الاستثمار، ولن يوضح هذا الأمر سوى التغير فى أسعار الفائدة الحقيقية.
ومن المثير للدهشة، أن أسعار الفائدة الحقيقية لأجل عشر سنوات كانت %4 فى منتصف التسعينيات، و%2 فى القرن العشرين حتى اندلاع الأزمة ومنذ ذلك الحين اقتربت أسعار الفائدة الحقيقية من الصفر.
ويرى وولف أن هناك عاملين على الأقل وراء هذا الانخفاض السريع فى أسعار الفائدة، الأول أن الاستثمار تراجع على نحو كبير فى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع ولكنها ارتفعت ارتفاعا كبيرا فى الاقتصادات الناشئة، ولاسيما الصين، وبالتالى أصبحت الاقتصادات الناشئة مصدراً كبيراً لرأس المال، على الرغم من ارتفاع معدل الادخار فى تلك الاقتصادات أكثر من معدل الاستثمار.
ويكمن العامل الثانى فى أن الدول الناشئة أممت تدفقات رأس المال إلى حد كبير، ثم اتجهت حكوماتها إلى شراء الأصول الآمنة، خاصة لتخصيصها لاحتياطيات النقد الأجنبى.
والقصة باختصار أن التغيير فى التوازن بين الادخار والاستثمار ولّد تراجعا ضخما فى أسعار الفائدة الحقيقية، واصطحب ذلك تغييرات فى تفضيل المحافظ المالية للأصول الآمنة وانفجار فقاعة الأسهم قبل عام 2000.
وقد أدى أيضاً التغير فى توزيع الدخل بين رأس المال والموظفين الذين يتقاضون رواتب عالية فى البلدان ذات الدخل المرتفع إلى ضعف الطلب، لترد البنوك المركزية بعد ذلك بسياسات نقدية عنيفة، وكل ذلك ساعد على انفجار فقاعة الائتمان المرتبطة بارتفاع أسعار المنازل.
والسؤال الملح هنا هو كيف نوّلد الطلب اللازم لحل مشكلة الإمداد العالمى المحتمل؟ ويختتم وولف مقاله قائلاً: إن الاخفاق فى الإجابة عن هذا السؤال بطريقة معقولة كان السبب الرئيسى فى الأزمة.