يعود التوقيت الصيفي بعد غياب 3 سنوات ليس ليحل مشكلة الطاقة ولكن ليؤكد أننا ليس لدينا الحلول والقدرة على مواجهة مشاكلنا ،نخشى على مصر من عودة الجمل والحصان لحل مشكلة الوقود ،وعودة المقايضة لحل مشكلة عجز الموازنة ، وهكذا . مصر تواجه الآن أزمة الطاقة مثل أزمات كثيرة أهملها النظام السابق لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية ، وتباطىء كل المسئولين في إيجاد حلول لمشكلة الطاقة في مصر خشية من فتح ملف يتعارض قد ينتج عنة إلغاء الدعم على الطاقة التي كانت تخدم مشروعاتهم ومصانعهم كثيفة الاستخدام للطاقة المدعومة. ولكن لا يجب على الحكومة الحالية أن لا تعول على النظام السابق وعليها أن تقدم لنا الحلول في هذه الأزمة والأزمات الأخرى المتلاحقة على الشعب المصري منذ ثورته العظيمة.
والتناقض هنا أن عود التوقيت الصيفي للحد من الاستهلاك سيتم باستثناء شهر رمضان على الرغم من هذا الشهر الكريم يشهد زيادة في الأحمال وخاصة في فترة الليل بسبب السهر أمام شاشات التلفزيون لمتابعة المسلسلات والبرامج الرمضانية التي لا تعد ولا تحصى ، وأيضا وجود زينات رمضانية في معظم الشوارع والحارات بالمناطق الشعبية ، والتي تتوسطها الفوانيس الكبيرة والمضاء بالكهرباء طوال الليل وحتى مطلع الفجر وقد تنسى إلى اليوم التالي.
ألمانيا أول بلدٍ أعلنت التوقيت الصيفي أثناء الحرب العالمية الأولى، وتبعتها بريطانيا بعد فترة قصيرة تنفيذا لتوصيات الأمريكي بنجامين فرانلكين أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي في عام 1784. ولكن واضح إن مصر مازلت متأثرة بأجواء الحرب العالمية في الحد من مشكلة الطاقة وربطها الغريب بعودة التوقيت الصيفي ، حيث ظل ”إلغاء التوقيت الصيفي” يتأرجح حتى 1988 بعد وضع قانون برقم 141 يقر نظام التوقيت الصيفي والمعدل له قانون رقم 14 لسنة 1995 ، وهو ما حدد الجمعة الأخيرة من شهر أبريل لبدئه والخميس الأخير من سبتمبر لنهايته، إلى أن جاءت حكومة شرف وقامت بالغاؤه في 20 ابريل 2011.
أن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المستمر و ترشيد استهلاك الكهرباء وتخفيف الأحمال لا يتم علاجها بقرار عودة التوقيت الصيفي وزيادة عدد ساعات النهار ، لأن المشكلة هي أن الإنتاج لا يكفى الاستهلاك وهى مشكلة تاريخية ،وتفاقمت المشكلة في مصر مع استمرار أزمة الوقود والتوقف المتكرر لصيانة للمحطات وسرقة التيار والإسراف في الاستهلاك .أن الأزمة تجاوزت كل الحلول التقليدية والسهلة وأن إظلام الكثير من المحافظات بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء مشكلة تحتاج إلى حلول حقيقية وليست مسكنات، لن ينسى الشعب المصري أزمة دراسة 2014 وعجز الطلبة وعدم قدرتهم على الذهاب إلى المدارس والجامعات بسبب الأحداث وتفاقمت عليهم المشاكل لتصل إلى عدم القدرة على التحصيل والمذاكرة بسبب انقطاع الكهرباء .
يجب على يبادر المجتمع المدني والأعلام لعمل برامج للتوعية المصريين لتحسين الأداء الاستهلاكي للطاقة، يجب أيضا أن تتوفر الإرادة الشعبية في تغير عاداتنا وسلوكنا في استخدام الكهرباء الذي قد يعود في الأساس إلى انخفاض أسعار الطاقة ، حيث وصلت تكلفة الكيلووات ساعة نحو40 قرشا, بينما يصل متوسط بيعه نحو22.5 قرشا ما يعني أن مصر تدعم كل كيلووات بما يصل الي18 قرشا.
وبسبب أزمة السولار المستمرة لم تعد محطات الكهرباء تعمل بكامل طاقتها ، ولعدم وجود أماكن باقية صالحة لإقامة محطات مائية على نهر النيل ، ويجب أن نفكر خارج الصندوق لنتأكد أنة لم يعد أمامنا سوى استخدام المحطات النووية في توليد الكهرباء ، والاعتماد بشكل أساسي على تطوير المحطات التي تعمل بالغاز ، والطاقة المتجددة ، لأن الاستهلاك الكهربائي في مصر أصبح يتزايد بشكل جنوني ويكفى أن نعرف أن أكثر من 5 ألاف تكييف يتم تركيبها في مصر يوميا ، وهناك أكثر 8 ملايين جهاز تكييف في مصر ، وهذا الرقم معلوم منذ سنوات وليس بغريب التحدث عنة اليوم ولكن الغريب عدم استعداد الحكومات المتعاقبة على مصر للتعامل مع الزيادة المنتظرة والمتوقعة في الاستهلاك .
انقطاع التيار يؤثر علي العمل في العيادات الخاصة والمستشفيات, وأيضا يزيد المشكلات التي تتعرض لها غرف العمليات والعناية المركزة,خاصاً أن المولدات الكهربائية التي من الممكن أن نستعين بها, لا تستطيع تشغيل الأجهزة الطبية أو التكييفات التي قد يضطر الطبيب الي تشغيلها, خاصة في حالات الولادة والعمليات الجراحية خلال فصل الصيف .
انقطاع الكهرباء مشكلة بلد بالكامل فضلاً أنها مشكلة كل بيت في مصر الآن, لا فرق بين الأحياء الراقية والعشوائية في هذا الشأن, حيث أن الجميع يتأثر ويعانى من هذه المشكلة ،ولا نريد أن نتحول إلى وطن يحارب الأغنياء فيه بدلاً من الاستفادة منهم في ضخ استثمارات لبناء محطات جديدة .
ولكن لو لم تكن المشكلة فى كل ما سبق ، واذا ما كانت حقيقة الأمر هو غياب التنسيق بين وزرات الدولة المختلفة وتراخى دور وزارة المالية فى المساهمة فى تدبير المديونيات المتعلقة بين وزارة الكهرباء ووزارة البترول التي وصلت أكثر من 18 مليار جنية.ويجب أن نفكر أيضا فى تأثير زيادة عدد الممتنعين عن سداد فواتير الكهرباء فى زيادة هذا الرقم ، حيث أن شركات الكهرباء تصدر نحو30 مليون فاتورة شهريا لعدد 30 مليون مشترك
وقصة أن يدفع المواطن ” البسيط ومحدود الدخل” فاتورة الكهرباء وفاتورة انقطاع الكهرباء عدة مرات في اليوم ليس فيها أي عدالة ، يعيش الصغار في الظلام ، وتنقطع المياه عن الأدوار العليا ،وتفسد الأطعمة في الثلاجات ،وتتوقف المروحة البسيطة على الفقير حيث يختنق من الحر ، وتحرق الأجهزة المنزلية التي قد تكون بالقسط وقد يعجز في توفير البديل ، وهناك في نفس الوقت سوء استخدام حكومي للطاقة من خلال إنارة الشوارع نهاراً وعشرات التكيفات الذي تعمل ليل نهار في غرف الاجتماعات المغلقة وغرف المسئولين في بعض الوزارات والهيئات الحكومية.