بقلم: توماس فريدمان
كان هناك مهرجان مؤخراً من المقالات التى تتحسر على السياسة الخارجية الجبانة للرئيس أوباما، فلو كان لدينا رئيس يمتطى الأحصنة دون قميص أو يصارع النمور أو يأخذ قطعة من دولة مجاورة، لكنا شعرنا بأمان أكبر، وهنا أنا أنهض للدفاع – جزئياً – عن أوباما.
دعونى أبدأ بطرح سؤال كنت قد سألته بشأن دول أخرى: هل السياسة الخارجية الأمريكية على ما هى عليه الآن بسبب طبيعة أوباما اليوم (عقلاني، حذر، هادئ) أم أن أوباما على ما هو عليه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بسبب طبيعة أمريكا اليوم (منهكة نتيجة حربين فاشلتين، وضعيفة بسبب ركود كبير) وبسبب طبيعة العالم اليوم (تتزايد فيه الدول الفاشلة، وتضعف فيه الدول الحليفة للولايات المتحدة)؟.
والإجابة هى خليط من السببين ولكنى سأركز أكثر على السبب الأخير، وتتعلق السياسة الخارجية وقدرتنا ورغبتنا فى تأدية دور فى العالم بثلاثة أشياء هى المصالح والقيم والقوة، فهل لدينا مصلحة بالتدخل فى سوريا أو القرم، وهل قيمنا تسمح، ثم هل لدينا القوة لكى نقلب الأمور لصالحنا دائما بسعر يمكن تحمله؟
والقوة هى وظيفة من شقين: كمية الموارد الاقتصادية والعسكرية التى نمتلك، ووحدة هدف شركائنا وحلفائنا على الأرض.
وأنا أؤكد أن ما يجعل أمريكا أقل فاعلية فى العالم اليوم هو نتاج فى الأول والأخير لتقلص قوتنا بسبب أفعال الحكومات السابقة، فقرار فرق بوش الأب وكلينتون بتوسيع قوات الناتو وضع بذور الكراهية التى ساعدت على خلق بوتين والبوتينية.
أما فريق بوش الابن فلم يترأس فقط حربين فاشلتين وإنما خالف التقاليد الأمريكية تماما وخفض الضرائب بدلا من زيادتها لتمويل تلك الحروب، وهذا تسبب فى ضعف ميزانياتنا، كما كان التخطيط للحربين كارثياً وتنفيذهما أسوأ، كما أثبت الكثير من حلفائنا فسادهم واستغلوا وجودنا لمطاردة خصومهم القدامى.
ولكن سواء كان حلفاؤنا قلة أو منقسمين – ليبيا، سوريا، أفغانستان، العراق – فإن الأمر يتطلب من الولايات المتحدة تدخلا أطول وأعمق مما يحتمله الأمريكيون من أجل توليد نظام جديد، كما أنه من الهراء أن ندّعى أن بإمكاننا التدخل بتكلفة منخفضة أو من الجو فقط (انظروا إلى ليبيا) أو أن ندّعى بأن حذر أوباما بسبب أنه قائد ضعيف.
ومعظم الرؤساء يصنعون أسماءً فى السياسة الخارجية من خلال صنع عداوات قوية، ولكن اكثر ما يهدد الاستقرار العالمى اليوم هو الدول المفتتة، وكم عدد الدول التى يمكننا إنقاذها فى وقت واحد؟ فأنا أرغب بشدة فى مساعدة الأوكرانيين على إعادة بناء ديمقراطية فعالة، ولكن سبب مشقة هذه المهمة يكمن فى أن ساستها أضاعوا عقدين فى نهب بلدهم، لذا فإن القوة المطلوبة لدعم التغيير ضخمة للغاية بخلاف حزمة الإنقاذ المقدرة بـ 30 مليار دولار.
ونحن نحتاج إلى موازنة قوة الصين فى آسيا ولكن هذا ليس سهلا نظرا إلى أننا ندين لبكين بـ 1.3 تريليون دولار بسبب تبذيرنا المدفوع بالائتمان، كما أننى أدعم تماما مقاومة تدخل بوتين فى أوكرانيا، ولكن من الصعب إضعاف هذا الديكتاتور المعتمد على البترول دون سياسة طاقة وطنية خاصة تخفض سعر البترول وتخلق بدائل.
وبالفعل يستطيع أوباما فعل المزيد لقيادة الأوروبيين بشأن أوكرانيا، ولكن يجلس جيرهارد شرودر، المستشار الألمانى السابق، على رأس مجلس إدارة شركة البترول الروسية العملاقة، فإذا فكرنا فى ذلك، سنجد أن الأوروبيين لا يريدون معارضة بوتين.
لذا فإن أكبر مشاكلنا ليست أوروبا أو أوباما، وإنما تكمن فينا وفى شللنا السياسى، فالعالم يأخذ أمريكا على محمل الجد عندما يرونا نقوم بأشياء كبيرة وصعبة وعندما نتصرف كقدوة، وبالتالى إذا أردنا القيام بالمزيد لبناء الأمم بالخارج فعلينا أن نجتمع حول خطة لبناء أمة فى الداخل أولا.
وهذا يشمل الاستثمار فى البنية التحتية واستبدال الضرائب على الدخل والشركات بضرائب على انبعاث الكربون فيما سيعد خطوة كبيرة تجاه كفاءة الطاقة والغاز الطبيعى المستخرج بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى تعزيز المهارات وإصلاح قانون الهجرة، وإعادة الموازنة المالى على المدى البعيد، فبذلك نقوى عضلاتنا ونضعف بوتين.
نحن نحتاج المزيد من القوة النابعة من بناء الأمة فى الداخل لكى نمتلك القوة المستديمة لأخذ يد آخرين كما أننا نحتاج هؤلاء فى الخارج لكى يشكلوا أساسا صلبا وموحدا حتى تنجح قوتنا، فمن الصعب تغيير إطار سيارتك المثقوب إذا كانت رافعتك مكسورة أو كنت فوق رمال متحركة، لذا فالأمر لا يتعلق بأوباما وحده.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز