في آواخر هذا الشهر، سوف تعطي الانتخابات الرئاسية مصر فرصة آخرى لتحقيق وعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت برئيس مصر حينها حسني مبارك منذ ثلاث سنوات، ولكي ينجح، سوف يتعين على الرئيس القادم أن يتخذ إجراءات سريعة على ثلاثة جبهات: الأمن والتمويل والنمو الاقتصادي، وعليه أن يقوم بذلك في سياق السعي وراء أهداف الثورة: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.
والمهمة رقم واحد تتمثل في التعامل مع موجة العنف التي اجتاحت البلاد حديثا، ورغن تفرق هذه الانفجارات، فإنها حصدت الكثير من الأرواح، وحرمت الكثيرين من شعروهم بالآمان، وأضعفت وضع الدولة الدولي، ودمرت السياحة، وقوضت النشاطات الاقتصادية الأساسية.
ثانيا، يجب على الدولة معالجة العجز في الموازنة والعجز التجاري، وحتى إذا نجحت الحكومة في الوصول إلى هدفها في تخفيض العجز المالي إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، فإن مثل هذا العجز الضخم سوف يهدد بتفاقم معدل التضخم المرتفع بشكل مفرط بالفعل مما سيضر بالفقراء بشكل خاص.
وفي نفس الوقت، يحتاج العجز في الحساب الجاري إلى الكثير من الاقتراض الأجنبي، مما يجعل مصر معتمدة بشدة على المساعدات الاستثنائية من الدول الصديقة مثل الإمارات والسعودية والكويت.
ثالثا، تحتاج الحكومة لإيجاد طريقة لتعزيز النمو الاقتصادي بشكل دائم والذي كان بطيئا بشدة في استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، وتخفيض المعدلات المنذرة للبطالة وللعمالة دون السن القانونين ومعالجة الفقر المدقع وعدم الحراك الاجتماعي والاقتصادي لأعلى الذي يصيب شرائح المجتمع الأكثر ضعفا.
وبرغم عظم التحديات، فمصر لديها القدرة على التغلب عليهم، فبعد اشتراكي في العديد من مجهودات الإصلاح خلال عملي لمدة 15 عاما في صندوق النقد الدولي، رأيتُ دول تتمتع بموارد أقل من مصر بكثير ومع ذلك تغلبت على مواقف أصعب بكثير.
ومفتاح نجاح الرئيس القادم – والذي من المرجح أن يكون عيد الفتاح السيسي، وزير دفاع سابق ورئيس القوات المسلحة والذي يتوقع له نجاح ساحق – هو استغلال الشعور المتزايد لدى المصريين بالمواطنة والوعي القومي الذي اطلقت سراحه ثورة 2011.
ومازالت قائمة المكاسب الجوهرية من الانتفاضة الشعبية خلال الثلاثة سنوات الماضية، وناضلت مصر بقوة حتى الآن لتخطي أكثر محاور الثورات صعوبة وهي الانتقال من ماضي مفكك وقمعي إلى بناء مستقبل واعد.
فبعد تهمشيهم لعقود من قبل نظام قمعي، يشعر معظم المصريين العاديين بملكيتهم لدولتهم وفخرهم بها بشكل أكبر، كما يتوقون بحق للمزيد من الديموقراطية والعدالة والازدهار.
أما على الجبهة الأمنية، يحتاج الرئيس الجديد ان يخلط بين الصرامة وبين سياسات تصالحية جديدة ودائمة مع خصومه حتى يتجنب الانزلاق إلى قمع الماضي، وفي نفس الوقت، سوف يحتاج إلى وضع خطة اقتصادية سريعة لأجل 3 سنوات.
وبالإضافة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي المعتادة، ينبغي أن تحدد هذه الخطة بوضوح الأهداف في مجالات مثل العمالة والصحة والتعليم والأمية ووفيات الأطفال بطريق سهلة القياس وشفافة وذات أهمية للشعب بأكمله.
وبذلكن قد تساعد هذه الخطة على الحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة وآجال طويلة من المؤسسات الرسمية متعددة الجوانب (مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) أو المؤسسات الإقليمية (بما في ذلك الاتحاد الأوروبي) والحكومات، والأهم من ذلك، ان يكون ذلك في سبيل دعم برنامج يصممه ويمتلكه المصريون.
وعلى الرغم من عدم فاعليته المشهورة، فليس أمام القطاع العام في هذه المرحلة إلا أن يلعب دورا محددا من خلال تحسين البيئة للشركات المحلية والمستثمرن الأجانب على حد سواء، وهذا يستلزم معالجة ماليات الحكومة، وترشيد الدعم الحكومي للطاقة، وإصلاح النظام الضريبي، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي، وتجديد الإطار المؤسسي، وجعل البيروقراطية أكثر شفافية وتوقعا.
ولدى الرئيس المصري القادم فرصة عظيمة لدفع عملية ذاتية التعزيز لإنعاش اقتصادي ومالي وسياسي واجتماعي، وبذلك سيقوم باكثر من تحسين حياة وسبل عيش 90 مليون مواطن، كما سيساهم في خلق استقرار أكبر لمنطقة مهمة في العالم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج