يتوقع خبراء الاقتصاد أن يكون عام 2014 هو العام الذى يتسارع فيه نمو الاقتصاد العالمى، ولكن بعد ما يقرب من خمس سنوات من محاولة الدول المتقدمة التعافى من ركود عميق، لاتزال اقتصاداتها تبدو ضعيفة على نحو مخيب للآمال، ففى أمريكا لم يزداد الناتج المحلى الإجمالى بمعدل سنوى إلا بنسبة %0.1 خلال الربع الأول، ولم تكن نسبة النمو فى منطقة اليورو التى بلغت %0.8 سوى نصف وتيرة النمو المتوقعة.
أوضحت مجلة الايكونوميست فى تقرير لها أن هذا الضعف الاقتصادى مؤقت كما أنه لم يصب كل الاقتصادات المتقدمة، ففى بريطانيا والمانيا، على سبيل المثال، تسارع النمو وحققت اليابان طفرة اقتصادية فى فترة وجيزة، ولايزال غالبية خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يكتسب تعافى الاقتصاد العالمى زخما خلال العام.
ولكن هناك ما يدعو للقلق، فقد أصبح الركود الذى تعانيه العديد من الدول الاوروبية الكبري، ولاسيما ايطاليا وفرنسا، أكثر ترسخا، كما بدأ يتراجع معدل النمو فى اليابان جراء ارتفاع ضريبة الاستهلاك، وتوقف أيضا تعافى قطاع الإسكان فى أمريكا، علاوة على ذلك، انخفضت عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل فى أنحاء الدول المتقدمة انخفاضا شديدا، وتعتبر تلك السندات مقياس توقعات المستثمرين للنمو وأسعار الفائدة، وتراجعت عائدات الخزانة لأجل عشر سنوات التى وصلت إلى %2.5 عن مستوى العائدات نهاية عام 2013 بنسبة %0.5، ونظراً لأنه من المتوقع أن يستغرق ازدياد نمو الاقتصاد الأمريكى خمس سنوات، فمن الممكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها تنزلق إلى فترة انكماش أخرى دون أن تشهد أى طفرة قوية على الإطلاق.
فما الذى ينبغى القيام به للإحالة دون حدوث مثل هذه النتيجة؟ الإجابة المعتادة هى أن البنوك المركزية فى حاجة للقيام بالمزيد من إجراءات تخفيف السياسة النقدية والإبقاء على تلك السياسة لفترة أطول، ويعتبر هذا الأمر صحيحاً فى بعض الأماكن، إذ يعود الكثير من ضعف منطقة اليورو إلى السياسة التحفظية للبنك المركزى الأوروبى، الذى قاوم طويلاً تبنى إجراءات غير تقليدية لتخفيف السياسة النقدية، حتى مع اقتراب المنطقة أكثر فأكثر نحو الانكماش، وأشار البنك أخيرا إلى أنه سيتخذ إجراءات تحفيزية فى اجتماعه المقبل المقرر انعقاده فى يونيو الجارى.
وعلى الرغم من أن تخفيف السياسة النقدية يعتبر شرطاً أساسياً لتحقيق تعافى أكثر قوة، فمن الواضح أنها لن تستطيع القيام بذلك بمفردها، ففى الواقع، ربما يكون الاعتماد المفرط على البنوك المركزية سبباً كبيراً وراء التباطؤ الحالي، فقد كانت السياسة النقدية فى السنوات الأخيرة هى الأداة الرئيسية وغالباً ما تكون الوحيدة لدعم النمو.
وعلى الرغم من أن نجاح البنوك المركزية الكبير فى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، فقد كان لمثل هذا الاستقرار الذى اتسم بوتيرة نمو أقل من المعدل المتوسط وأسعار فائدة منخفضة وتقلبات منخفضة تأثير أكبر على أسعار الأصول بدلاً من الاستثمار الحقيقي، فضلا عن خطر خلق فقاعات مالية قبل أن تصل الاقتصادات إلى العمالة الكاملة.
وما يحتاجه الاقتصاد العالمى حقاً هو استراتيجية نمو أكثر توازناً وتكون أقل اعتماداً على البنوك المركزية، وستتضمن هذه الاستراتيجية عنصرين، الأول زيادة استثمارات القطاع الحكومى فى البنية التحتية، والاقتراض بأسعار فائدة منخفضة جدا لتحسين البنية التحتية من شأنه أن يدعم نمو اليوم ويرفع نمو الغد ويترك التعافى أقل اعتماداً على ديون القطاع الخاص، ويجب أن ينصب العنصر الثانى على القيام بمساع خاصة حيال الإصلاحات، فجميع الدول الغنية لديها العديد من الفرص للقيام بإصلاحات داخلية، بدءا من إصلاح اللوائح التى تمنع بناء المنازل فى بريطانيا حتى تجديد نظام تدريب العمال غير الفعال فى امريكا.
وإحراز تقدم فى هذه الجبهات من شأنه أن يؤدى إلى نمو أقوى وأكثر استقراراً، ويقلل من احتمالات بدء الركود المقبل فى أجواء تتسم بأسعار فائدة تقترب من الصفر مما يجعل من الصعب محاربته، وتحتاج تلك الاستراتيجية إلى الساسة الذين يستطيعون التمييز بين التبذير فى الميزانية والحصافة فى مجال الاقتراض، وممن لديهم الشجاعة للمضى قدماً فى الإصلاحات غير التقليدية، فالدول المتقدمة فى حاجة لمثل هؤلاء الساسة لتسريع نموها الاقتصادي.