اصطدم المستثمرون، الذين يشعرون بالسكينة فى اعتقادهم بأن أسعار الفائدة المنخفضة ستستمر إلى الأبد، بالواقع الشهر الجاري، فأولا، صرح مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المركزى، بأن أسعار الفائدة من الممكن أن ترتفع فى وقت أقرب مما تتوقعه الأسواق حالياً، والآن أشار بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، الذى حافظ على أسعار الفائدة قريبة من الصفر، إلى نواياه بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة على الأقل حتى العام المقبل، ولكن البنك يواجه حاليا نداءات أقوي، تأتى بعضها من مسئوليه، بالتخلى عن هذا التعهد.
يشعر مؤيدو اتخاذ إجراءات سريعة بالقلق من أن يؤدى ترك أسعار الفائدة قريبة من الصفر لمدة طويلة إلى تسارع معدلات التضخم فى كلتا الدولتين، كما أنهم يخشون أنه حتى إذا بقيت الأسعار هادئة، فإن كثرة القروض الرخيصة ستؤدى إلى تضخيم فقاعات الاصول وانفجارها الحتمى سوف يخلق أزمة مالية أخري، وأوضحت مجلة الإيكونوميست أن هذه المخاوف لها أساس حقا ولكنها مبالغ فيها.
وبالنسبة للتضخم، فمع معدلات التضخم فى بريطانيا بنسبة %1.5 و%1.6 فى أمريكا، أى أقل من نسبة التضخم المستهدفة التى تبلغ %2 فى البلدين، ينبغى أن تقلق البنوك المركزية بالطبع ليس من معدلات التضخم الحالية ولكن المستقبلية.
ويعنى نمو الاقتصاد البريطانى القوى الحالى أن الطاقة الإنتاجية الفائضة فى البلاد فى طريقها إلى الزوال، حيث انخفضت معدلات البطالة من %7.7 العام الماضى إلى %6.6، ولكن لا يوجد هناك أى ارتفاع فى الأجور.
وفى أمريكا فإن الأسعار أكثر هدوءاً، والتضخم أقل من النسبة المستهدفة لمدة عامين، وكما هو الحال فى بريطانيا، فإن الارتفاع الهزيل فى الأجور لا يعطى أى إشارة على حدوث أى ارتفاع حاد فى الأسعار والأجور.
وماذا عن عدم الاستقرار المالي؟ بالتأكيد الفقاعات واضحة، ففى بريطانيا، تعد أسعار المنازل أكثر الفقاعات وضوحاً، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة %10 العام الماضى لتتجاوز بذلك مستويات ما قبل الأزمة، كما أن ديون الأسر آخذة فى الارتفاع.
وفى أمريكا توجد أكثر المخاطر وضوحاً فى سوق أدوات الدين ذات الدخل الثابت، فقروض الشركات الأكثر مديونية فى طريقها لأن تصل هذا العام إلى مستواها القياسى الذى سجلته العام الماضى وبلغ 1.1 تريليون دولار، وتفتقر ثلث هذه القروض إلى الضمانات المعتادة التى تضمن إمكانية سداد المقترضين لتلك القروض.
وفى الواقع، تثير تلك التجاوزات القلق، ولاسيما نظراً للتاريخ البائس لأوائل القرن الواحد والعشرين، وبالرغم من ذلك فإن رفع أسعار الفائدة الآن هو الرد الخاطئ على تلك الفقاعات المالية لثلاثة أسباب.
أولاً، أن التجاوزات مازالت صغيرة مقارنة بتلك التى أدت إلى انهيار الاقتصاد العالمى عام 2007، ففى بريطانيا تقتصر الفقاعة العقارية على لندن، وتستند البنوك المركزية فى كل من بريطانيا وأمريكا إلى دعامات أقوى من السيولة ورأس المال، ما يجعلها أقل عرضة للتأثر بأى تراجع فى أسعار الأصول.
ثانياً، يستطيع محافظو البنوك المركزية والهيئات التنظيمية معالجة الفقاعات المالية باستخدام أدوات تحوط كلية بدلاً من أداة أسعار الفائدة الحادة، وبقدر ما تؤدى إليه أدوات التحوط الكلية من تباطؤ فى نمو الأصول والديون والثروة، فإنها تؤجل الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة، لذا فإن القروض الآمنة تبقى أرخص لفترة أطول.
ثالثاً، يعد خطر رفع أسعار الفائدة من أجل تخفيض أسعار الأصول أكبر الآن مما كان منذ عشرة أعوام، لأن أسعار الفائدة قريبة من الصفر، ومن الممكن أن يجر تشديد السياسة النقدية السابق لأوانه الاقتصاد إلى الركود ويحول التضخم إلى انكماش، وسوف تكون النتيجة خفض أسعار الفائدة مرة أخرى إلى صفر لفترة أطول.
وتعد أدوات التحوط الكلية أفضل فى معالجة الفقاعات المالية من مجرد رفع أسعار الفائدة، فمن الممكن أن تخلق البنوك المركزية المزيد من عدم الاستقرار المالى إذا قضت على التعافى الذى عززته بعناية أثناء حماسها فى القضاء على تلك الفقاعات، فمن الأفضل الآن أن تترك البنوك المركزية أسعار الفائدة وشأنها.