بقلم: بنجامين فريدمان
فى ظل اتجاه الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لإنهاء برنامج شراء السندات، يتساءل الكثيرون كيف ستعود ميزانية البنك المركزى إلى «طبيعتها»، أى إلى حجمها وتركيبتها قبل الأزمة، ويدور هذا الجدل أيضا فى بنوك مركزية أخرى.
فهل ينبغى أن يبيعوا سنداتهم أو يحملوها حتى يأتى ميعاد استحقاقها؟ وإذا كانوا ينوون البيع، فأى الأوراق ستباع أولا؟ كما أن هناك سؤالا آخر بنفس الأهمية ولكن نادرا ما يُسأل وهو هل من المعقول أن تعود ميزانيات البنوك المركزية إلى “طبيعتها”؟ هناك أسباب وجيهة لئلا تعود.
ففى بداية 2007، وصل إجمالى أصول الاحتياطى الفيدرالى 880 مليار دولار، واليوم وصل حجم الميزانية 4.3 تريليون دولار بما فى ذلك 2.4 تريليون دولار من سندات الخزانة و1.7 تريليون دولار من الأوراق المالية المدعومة برهن.
ولم يكن السبب وراء شراء هذه الأوراق هو تخفيض سعر التمويل الفيدرالى الذى وصل إلى الصفر أواخر عام 2008، وإنما لتخفيض أسعار الفائدة التى يتم بها تقديم القروض للأفراد والشركات مما يحفز الطلب.
وظهر بالدليل أن مشتريات السندات أدت إلى تخفيض أسعار الفائدة طويلة الأجل مقارنة بتلك قصيرة الأجل، كما خفضت الفائدة على الالتزامات الأكثر خطورة مقارنة بالأقل خطورة.
وأظهر تقدير متحفظ أن جولة الفيدرالى الثانية من شراء السندات بقيمة 600 مليار دولار أدت إلى تخفيض أسعار الفائدة طويلة الأجل بنسبة 25 نقطة أساس، وهى ليست بنسبة كبيرة ولكنها ساهمت مساهمة مفيدة فى التعافى الأمريكي، ثم ترسخت أثار انخفاض الفائدة طويلة الأجل من خلال أسعار الأسهم العالية والدولار الأرخص.
وقبل الأزمة، حث الكثيرون الفيدرالى على تضييق السياسة لكى يحبس الفقاعة المتنامية داخل أسواق الرهن العقارى والإسكان، ولكن ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل كان ليساعد فى تهدئة أسواق الأصول، بينما يهدد النمو فى قطاعات أخرى، ولو كانت ميزانية الفيدالى تحتوى على أوراق مالية مدعومة برهن حينها، كان يمكن أن يبيعها وبذلك يسحب الزخم من هذه الأسواق دون إحباط بقية الاقتصاد.
ثم ما هى الأثار السلبية المحتملة المترتبة على الحفاظ على ميزانية أكبر بكثير من المستوى “الطبيعي” قبل الأزمة؟ أولا، قد يخسر البنك المركزى إذا اشترى أوراقاً مالية تنخفض فى القيمة، وهذا لم يحدث حتى الآن، بل إن برامج شراء السندات جعلتهم – هم ودافعى الضرائب أيضا – يحققون أرباحاً.
وعلاوة على ذلك، ورغم أن هذه الخسائر قد تفرض المزيد من التكاليف على دافعى الضرائب، فلن يكون هناك أى مخاطر من إفلاس البنك المركزى نفسه، فعلى عكس البنوك الخاصة التى يجب أن تحتفظ بنقدية لتغطى عمليات السحب، فإن التزامات البنوك المركزية لا يمكن استبدالها بأى شيء آخر.
ثانياً، نظراً لأن شراء الأصول يتطلب الدفع مقابله، فإن الزيادة الهائلة فى ممتلكات البنوك المركزية تطلبت زيادة مماثلة فى الالتزامات المستحقة عليها، وتوقع الاقتصاديون الذى يظنون أن الأسعار والأجور يتم تحديدها بناءً على التزامات البنك المركزى أن تستمر معدلات التضخم المرتفعة، ومع ذلك، لم تظهر أى زيادة فى التضخم – ولو بنسبة ضئيلة – فى أى من الاقتصادات التى سلكت هذا المسار.
وهذا يرجع إلى أن البنوك المركزية المعنية قامت بإغراء البنوك بإعادة إيداع احتياطياتهم الإضافية بدلاً من زيادة الإقراض استنادا عليها، وهذا منع برامج شراء الأصول من أن تشعل فتيل ما قد يصبح فيضان من القروض.
وعلى مدار عقود، كان هناك اعتقاد مشترك بأن سعر الفائدة هو الأداة المستقلة الوحيدة للسياسة النقدية بيد البنك المركزي، ونحن الآن نرى أداتين: أسعار الفائدة، وشراء أو بيع الأصول.
ولكن البنك المركزى لا يمكنه بيع ما لا يمتلكه، لذا لكى تبقى هذه الأداة متاحة، ينبغى على الفيدرالى والبنوك المركزية الأخرى التمسك بمعروض وفير من الأصول، ولا ينبغى عليهم تقليص ميزانياتهم لحجمها قبل الأزمة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز