بقلم: أنّا بالاتشيو
لقد كانت إقامة علاقات ودية بين إيران والغرب منذ فترة طويلة بمثابة «الحوت الأبيض» للسياسة العالمية التى يخاف الجميع الاقتراب منها، ولكن يبدو أن العالم على شفا حقبة جديدة تتسم بالتعاون الحذر ولكنه حاسم بين الدول – ولاسيما إيران والولايات المتحدة – الذى كان من الصعب التوصل اليه منذ اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979.
ومع انهيار البلدان فى أنحاء الشرق الأوسط وتفكك السيادة الإقليمية – وعلى الأخص فى العراق- فمن الممكن الا يكون هناك وقت أنسب من هذا لتلك المساعي، فلإنقاذ المنطقة من انزلاقها إلى الفوضي، فإنها فى حاجة إلى قوات متوازنة قوية تستطيع أن تعزز الإجراءات المنسقة التى تهدف إلى القضاء على العنف الطائفي، وإيران هنا لها دور رئيسى لتقوم به.
وبالإضافة إلى عمقها التاريخى والثقافى، الذى أعطى إيران سلطة مؤكدة فى الشرق الأوسط، فإن لديها واحدة من الحكومات الفعالة القليلة فى المنطقة القادرة على الاستجابة للتطورات الجيوسياسية، ولسنا بحاجة لذكر أهمية احتياطياتها الضخمة من البترول، التى تضمن لها دوراً محوريا فى معادلة الطاقة العالمية المعقدة.
وتكمن المشكلة أن إيران كانت تهدر باستمرار فرصة قدرتها على القيادة، وتختار بدلاً من ذلك أن تلعب دور المفسد، ولاسيما من خلال استخدام قوات الحروب بالإنابة، وتعزز تلك النزعة التخريبية الحاجة إلى التعاون الذى تدعمه الحوافز القوية لإيران للحفاظ على سياسة خارجية معتدلة وبناءة.
ولتحقيق هذه الغاية، تعد المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 3+3 (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى الصين وروسيا والولايات المتحدة) خطوة أولى مهمة، ولطالما شكل الطموح النووى الإيرانى تهديدا أمنيا كبيرا فى الشرق الأوسط، إذ إنها تزيد من مخاطر قيام إسرائيل أو الولايات المتحدة بإجراء عسكرى وقائي، الذى ربما يكون أكثر فجاعة من سباق التسلح الإقليمى مع دول الخليج وتركيا، وعلى الرغم من أن التشرذم والعنف الطائفى باتا مؤخراً أكثر خطورة، فلا ينبغى التقليل من المخاطر المصاحبة لظهور إيران كقوة نووية.
وربما يكون الدافع الأكثر أهمية وراء مفاوضات مجموعة 3+3 هو أن حل الوضع النووى فى إيران أصبح لا غنى عنه فى إعادة البلاد إلى حظيرة المجتمع الدولي، فإيران لا تستطيع أن تلعب دوراً فى تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط وهى دولة منبوذة.
ومما لا شك فيه أن التوصل إلى اتفاقية فعالة وعادلة سيكون صعباً، ولكن هناك ما يدعو للإيمان بأنها ممكنة، فقد حققت الجولة الأخيرة من المحادثات نوعا من التقدم فى إحدى النقاط الشائكة الرئيسية و منشآت الماء الثقيلة لمفاعل أراك.
وتعد المسألة الرئيسية الأخرى وهى أجهزة الطرد المركزى أكثر إشكالية، ولكن مع وضع مقاييس بديلة فى الاعتبار، على سبيل المثال، التركيز على حجم الإنتاج الكلى بدلاً من عدد أجهزة الطرد المركزى جنباً إلى جنب ضمانات قوية للمراقبة، من الممكن أن تسهل التوصل إلى اتفاقية.
ومع حل القضية النووية، يستطيع القادة الغربيون تعزيز التعاون مع إيران فى المجالات الحيوية الأخرى – بدءاً بالأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وبطبيعة الحال، فإن مشاركة إيران فى هذه المهمة، على الرغم من أهميتها، لن تكون كافية لوقف المجازر الحالية، نظراً للطبيعة الطائفية للصراعات الإقليمية – التى تتحمل السلطات الإيرانية مسئوليتها على نحو كبير- فيجب أن تتم مشاركة إيران فى إطار تعاون إقليمى أوسع نطاقا، ولا سيما مع دول الخليج.
ويجب أن يؤخذ هذا التحذير بعين الاعتبار، وهو أنه لا يمكن المبالغة فى الفوائد المحتملة الناتجة عن تعاون الغرب مع إيران، وخلال الأسابيع المقبلة، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لديهما الفرصة لاتخاذ خطوات مهمة نحو شرق أوسط أكثر استقرارا وأمنا – وهى نتيجة من شأنها أن تعود بالنفع على العالم بأسره.
المصدر: موقع بروجيكت سينديكيت
إعداد: نهى مكرم