بقلم: كومال سرى كومار
بعد خمس سنوات على انتهاء الأزمة المالية العالمية، مازالت الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تعانيان من مستويات بطالة عالية ونمو متباطئ، وتعد البطالة طويلة الأجل مشكلة سياسية رئيسية وقضية اجتماعية فى الولايات المتحدة، بينما تقف نسبة البطالة فى منطقة اليورو عند %11.6.
ولمعالجة تلك القضية، وسع الاحتياطى الفيدرالى ميزانيته خمسة أضعاف حجمها مقارنة بأواخر 2008، أما البنك المركزى الأوروبى قرر جعل سعر الفائدة سلبى لتحفيز البنوك على الاقراض، كما أشار ماريو دراجي، رئيس المركزى الأوروبي، إلى ترحيبه بتطبيق نوع من أنواع التيسير الكمي.
ولكن لا يرجح أن تؤتى هذه التدابير النقدية ثمارا، فوحدها الإجراءات التى تشجع قوى السوق على زيادة الطلب على العمالة يمكن أن تنجح فى تحريك الاقتصاد العالمى باتجاه العمالة الكاملة.
وتتمثل الرؤية السائدة فى واشنطن وفرانكفورت فى انه إذا لم يؤدى التيسير النقدى إلى نمو عالمى صحى او تقليل نسبة البطالة، فإن العالم يحتاج المزيد منها، ولكن هذا ينافى المنطق تماما، فإذا لم ينجح دواءً لمدة أعوام، فحان الوقت لتغييره بدلاً من زيادة الجرعة.
وفى وسط الإحباط بشأن النمو والبطالة، هناك بصيص من الأمل بين الدول المتقدمة وهو الاقتصاد الألماني، كما أن هناك درسا يمكن تعلمه من معركة ألمانيا الناجحة ضد الركود الاقتصادى الذى بدأ منذ 11 عاماً.
ووصل معدل البطالة الألمانى إلى أعلى مستوى له عند %8.3 فى أعقاب الأزمة المالية فى 2009، أى أقل من نسبة البطالة الأمريكية عند %10 فى نفس الفترة، وحالياً تبلغ نسبة البطالة بين الشباب فى ألمانيا %8 وهى نسبة مبهرة مقارنة بـ%50 فى اليونان وإسبانيا.
وأدت أنظمة التدريب فى الشركات للطلاب إلى سهولة انتقال الطلاب من الكليات إلى سوق العمالة، مما ساعد على تخفيف نسبة البطالة فى هذه الفئة العمرية الحاسمة.
وفى الولايات المتحدة، صاحب معدل البطالة المنخفض تراجعاً فى معدل مشاركة القوى العاملة لمستوى لم يحدث منذ 1978، حتى أن مشاركة العاملين فى الفئات العمرية الشابة.
وعلى النقيض، كان معدل البطالة الألمانية يقل بشكل متواصل عن مثيله فى الولايات المتحدة منذ 2008، وفى الوقت نفسه، ارتفع معدل المشاركة بنسبة طفيفة بسبب الحضور المتزايد للمرأة والمسنين.
إذن، كيف فعلت ألمانيا ذلك، وما هى الدروس التى يجب أن تتعلمها الولايات المتحدة؟ ترجع جذور التحول الألمانى إلى عام 2003 عندما استحدث المستشار جيرهارد شرودر «إصلاحات هارتس»، واضطرت ألمانيا إلى تطبيق تدابير جريئة بسبب تباطؤ النمو فى بداية العقد ووصول معدل البطالة إلى %10 فى 2002.
ويمكن تلخيص أهداف هذه التدابير فى التشجيع على البحث عن وظائف بدلا من تقديم إعانات سخية من شأنها الحد من قبول الوظائف المتاحة، وتقديم حوافر للموظفين الذين يتدربون ويكتسبون مهارات جديدة مطلوبة فى السوق، بالإضافة إلى تقليل عبء الضمان الاجتماعى على أرباب الأعمال، وهذا البرنامج لم يطالب البنك المركزى الأوروبى بتخفيف السياسة النقدية، كما لم يتسبب فى زيادة العجز المالى الألمانى دون مبرر.
وفى كثير من الأحيان يُنظر إلى سوق العمل الأمريكى على أنه مرن، إلا أنه ليس كذلك، فالخطوات التى تم اتخاذها فى جانبين مؤخرا من المرجح أن تضر بخلق الوظائف، أولها رفع الحد الأدنى للأجور فى العديد من الولايات، ثم الاشتراطات المتعلقة بمشروع أوباما للرعاية الصحية المعروف باسم «أوباما كير».
ورغم أن النية الحسنة لهذه الإصلاحات هى الحد من عدم المساواة فى الدخل من خلال زيادة أجور العاملين منخفضى الدخل، فإن واقع انتشار البطالة بين العمالة منخفضة المهارات قد يرفع نسب البطالة فى هذه الفئة الضعيفة.
وتشترط قوانين الرعاية الصحية الجديدة على الشركات التى توظف 50 عاملاً أو أكثر بدوام كامل أن يوفروا لهم الرعاية الصحية بدءاً من 2016، وفى اقتصاديات السوق، هذا يعنى أن أرباب الأعمال قد يلجأون إلى بدائل لكى يخرجون من إطار القانون من خلال توظيف عمالة أقل أو توظيف عمالة بدوام جزئى فقط، لذا، فلن تساعد أياً من الخطوتين على تحقيق أهداف توزيع الدخل.
والدرس المستفاد من مقارنة تجارب ألمانيا من ناحية، ودول منطق اليورو والولايات المتحدة من ناحية أخرى هو أنه لا يوجد حل قصير المدى لمشكلة البطالة، فخلق الوظائف يتطلب إصلاحات صارمة لسوق العمالة، وليس فقط إلقاء الأموال فوق فوهة المشكلة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز