بقلم: دكتور طارق سعد الدين شل
يعبر الدعم طبقاً لمنظمة التجارة العالمية عن المساهمة المالية التى تتكبدها الحكومات لمساعدة شعوبها على مواجهة الفقر وبالتالى يعتبر الدعم زيادة فى القدرة الشرائية للحاصلين عليه نظراً لضآلة دخولهم.
وبالتالى فللدعم أهمية كبيرة لدى تلك الطبقة ويعتبر خفضه أو الغاؤه كارثة بالنسبة لهم وعلى الجانب الآخر فهو يمثل عبئاً ضخماً على الحكومات المانحة له ويعتبر خفضه أو الغاؤه تقليلاً للعبء الواقع على موازناتها ويرى البعض أن للدعم دور فى تحقيق التنمية الاقتصادية لكن الهدف الرئيسى للدعم هو تخفيف حدة فقر الحاصلين عليه ، وقد تكون أثاره السلبية أكبر من ايجابياته حيث يشجع الاستهلاك وخفض كفاءة الاستخدام بالاضافة لعدم العدالة الناجم عن وصول الدعم للأغنياء قبل الفقراء كما أن دعم الطاقة على الأخص يحصل عليه عدد كبير من حائزى السيارات غير المحتاجين للدعم وحائزى الأدوات الكهربائية خاصة أدوات الرفاهية والتى لا يقتنيها الفقراء.
لقد تدهورت الحالة الاقتصادية فى مصر على مر العقود السابقة وكان الدعم المقدم من الدولة لمواطنيها والذى بدأ منذ أربعينيات القرن الماضى هو أحد أسباب ذلك التدهور وازدادت الحالة الاقتصادية سوءاً منذ يناير 2011 الأمر الذى ينذر بكارثة اقتصادية، وكان لابد من قرارات باصلاحات هيكلية وبالتالى فقد صدرت العديد من القرارات المتوالية من جانب الحكومة المصرية فى غضون بضعة أيام كان من بينها خفض الدعم على الطاقة ورفع ضريبة المبيعات على بعض السلع كالسجائر والكحوليات وفرض ضريبة على أرباح البورصة وتوحيد الحد الأقصى للأجور عند 42 ألف جنيه كما تم تحديد حد نقدى للدعم السلعى بدلاً مما كان عليه النظام القديم من دعم الحصول على بعض السلع كالأرز والزيت والسكر ونخص من تلك القرارات ما أصدرته رئاسة مجلس الوزراء من قرارات التى تضمنت زيادة أسعار الوقود بخفض دعم منتجات الطاقة والذى تم تنفيذه فعلياً منذ 5 يوليو 2014 وذلك بضغط من رئاسة الجمهورية بغرض خفض عجز الموازنة عن السنة المالية 2014ـ2015 والتى بدأت فى يوليو خاصة أن الدعم يلتهم نحو ربع الميزانية أو أكثر من 134 مليار جنيه يمثل منها ما يقرب من %35 دعماً للطاقة خفضاً لعجز الموازنة من %12 من الناتج المحلى الاجمالى الى %10 منه بما يعنى خفض الانفاق على الدعم بنحو 42 مليار جنيه.
وقد أثار قرار خفض الدعم على الطاقة فى مصر جدلاً كبيراً خاصة أن القرار والذى سيترك أثره على أسعار السلع والخدمات تم اتخاذه فى شهر رمضان والذى يزيد فيه استهلاك المواطنين ، فبعد فترة وجيزة من رفع أسعار الكهرباء، تم رفع أسعار الوقود بزيادة تتراوح ما بين %40 و%78 على حسب نوع الوقود و%175 بالنسبة للغاز الطبيعى.
وفى دراسة للبنك الدولى قدم من خلالها استقصاء عن رأى المصريين فى خفض دعم الطاقة وجد أن %31 منهم هم من قبل بذلك بينما رفضت الغالبية العظمى ذلك القرار واعتبرت الدراسة أن المصريين هم أكثر الشعوب العربية رفضاً لرفع الدعم عن الطاقة ، ولعل السبب الرئيسى لتقبل المواطنين جزئياً لخفض دعم الطاقة قيام مؤسسة الرئاسة بتهيئة المواطنين لاستقبال ذلك القرار والتى طالبتهم بالتضحية من أجل استقرار الاقتصاد خاصة بعد تبرع رئيس الجمهورية بنصف ثروته ونصف راتبه لصندوق دعم الاقتصاد.
أما على المستوى الداخلى فان الحكومة المصرية ترى أن خفض الدعم من شأنه خفض عجز الموازنة وتوفير ما يقرب من 42 مليار جنيه وطبقاً لما أعلنه رئيس الوزراء سوف يتم توجيه 20 مليار جنيه منها لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية و10 مليارات جنيه لرفع الحد الأدنى للأجور
ولعل خفض دعم الطاقة له العديد من الآثار الايجابية منها:
تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة وخفض عجز الموازنة
سيقضى على تهريب الوقود من مصر للاستفادة من فروق الأسعار بين الداخل والخارج.
سيقنن الفاتورة الضخمة من دعم الوقود بما يضمن توجيه جزء كبير من الدعم الذى لا يصل لمستحقيه لمجالات أخرى تخدم مستحقيه وهو ما أعلن عنه رئيس لوزراء كما سبق القول.
وعلى النقيض من ذلك سيترتب على رفع دعم الطاقة العديد من الآثار السلبية نذكر منها :
ارتفاع أسعار السلع خاصة بعد ارتفاع تكاليف النقل ورغم تأكيد الدراسات الحكومية بأن زيادة أسعار الطاقة لن يكون لها زيادة مماثلة على أسعار السلع والخدمات عدا زيادة فى حدود من %2 الى %7 لكن ذلك يتنافى مع ما حدث فى الواقع العملى، وهو ما سيترك أثره بكل تأكيد على معدل التضخم، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية من شأنها التأثير على محدودى الدخل فى اتجاهين أولهما من خلال فاتورة الكهرباء المنزلية والتى ستؤثر بالتأكيد على دخله القابل للتصرف خاصة بالنسبة لمن يحصلون على دخول ثابتة وثانيهما من خلال الزيادة فى فاتورة كهرباء المصانع والشركات والتى سيلجأ أصحابها لنقل عبء تلك الزيادة للمستهلك من خلال رفع أسعار منتجاتهم وبالتالى يتحمل المستهلك عبئاً اضافياً غير مباشر.
نتيجة تواتر تقديم الحكومات المتعاقبة للدعم تأثيره على زيادة حجم الدين المحلى والخارجى حيث وصل الدين المحلى الى 1.7 تريليون جنيه والدين الخارجى الى 47 مليار دولار ومع ذلك أكدت الدراسات أن %80 من الدعم لا يصل لمستحقيه.
سيؤثر ارتفاع الأسعار على تكلفة الخدمات السياحية بالاضافة لنية الحكومة رفع تأشيرة دخول السياح فى نوفمبر القادم من 15 دولاراً الى 25 دولاراً.
مدير العلاقات الخارجية بالمصرف المتحد