بقلم: فيليب هيلديبراند
تشهد منطقة اليورو مرة أخرى أياماً قاتمة، فقد تراجعت مؤخراً عائدات سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات إلى أقل من %1 للمرة الأولى، ما يؤكد توقعات المستثمرين بأن يظل النمو ضعيفاً، كما يؤدى إلى إطلاق نداءات للبنك المركزى الأوروبى بالبدء فى برنامج كامل للتيسير الكمى، أى شراء السندات الحكومية.
وهذا هو المسار الذى اتخذه بنك الاحتياطى الفيدرالى عام 2008، ولكن سيكون من الخطأ أن يتبع البنك المركزى الأوروبى هذا المسار، فعائدات السندات عند مستويات منخفضة بالفعل، وقد يؤدى المزيد من خفضها إلى تحفيز الاستثمارات فى اقتصاد مازال يُموّل بخلاف الاقتصاد الأمريكى، من خلال النظام المصرفى بدلاً من سوق السندات، ويجادل البعض أن التيسير الكمى قد يضعف اليورو، وهذا الأمر سيكون موضع ترحيب، ولكنه لن يحدث فى ظل بقاء الاحتياطى الفيدرالى فى مساره الحالى.
وهناك أوقات معينة تصنع فيها السياسة النقدية العنيفة اختلافاً، وهذا هو الدرس الذى لقنه بن برنانكى، رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى السابق، لرؤساء البنوك المركزية فى العالم فى أعقاب الأزمة المالية، ولكن المشكلة الأكبر التى تواجهها أوروبا مشكلة هيكلية والتيسير الكمى لن يحلها.
والاقتصاد الألمانى لا يزال، على الأقل، قوياً على نحو أساسى، ويعد الانكماش فى الربع الثانى أمراً طبيعياً بعد ارتفاع النمو فى الربع السابق، عندما غذى نشاط البناء خلال فصل الشتاء المعتدل نمواً سنوياً بنسبة %3.6.
وقد تحسن الموقف أيضاً فى البلدان التى تخرج من برامج الإنقاذ الصعبة التى وضعها صندوق النقد الدولى والمفوضية الأوروبية، وقد سجلت اسبانيا والبرتغال مؤخرا نمواً سنوياً بما يزيد على %2، حتى اليونان تحرز تقدما.
ولكن منطقة اليورو مازالت تعانى مشاكل عميقة، فإيطاليا وفرنسا وضعهما الاقتصادى سيئ، ولن تعيدهما أى كمية من التيسير الكمى إلى النمو، إذ أن حكوماتهما فى حاجة إلى اصلاح سوق العمل وخفض الضرائب التى تؤثر على الأعمال التجارية، وتحرير الشركات من الروتين والاستمرار فى إصلاح ماليتهما العامة.
ومع ذلك، فإن احتمالية عدم نجاح برنامج شراء السندات ليس هو السبب وراء ضرورة عدم تجربته، ودرس آخر من الأزمة هو أنه ينبغى تجربة مناهج مختلفة فى مواجهة الكارثة التى تلوح فى الأفق حتى ينجح أحدها، والمشكلة هو أن هناك خسائر مرتبطة بإطلاق برنامج تيسير كمى عنيف فى منطقة اليورو، ولم يشر اليها أحد تقريباً حتى الان.
وكما قال بنك بازل للتسويات الدولية إن التيسير الكمى سوف يخلق مزيداً من التشوهات فى الأسواق المالية، وهذه التشوهات فى نهاية المطاف سوف تدفع رأس المال للتدفق إلى أصول مالية تم تسعيرها بشكل خاطئ، بدلا من تمويل استثمارات فى قدرة إنتاجية جديدة، وهذا بدوره سوف يقوض النشاط الاقتصادى، ما يؤدى فى النهاية إلى إمكانات نمو أقل- وهو عكس ما ينبغى أن يحققه النشاط النقدي.
وينبغى ألا يتبع البنك المركزى الأوروبى مسار بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، ولكن هذا لا يعنى أن محافظى البنوك المركزية فى أوروبا لا حول لهم ولا قوة، فمفتاح حل الأزمة هو إصلاح النظام المصرفى الأوروبى المتعثر، ولن يكون هناك نمو أوروبى قوى دون أن تتم رسملة البنوك على نحو صحيح.
ويعد ماريو دراجى محقاً فى إعطاء الأولوية لإصلاح البنوك، وهذا لن يحدث الا اذا استمر رئيس البنك المركزى الأوروبى فى تركيز كل طاقاته على التقييم الشامل لبنوك منطقة اليورو.
ويبدو أن برنامج شراء السندات لبنك الاحتياطى الفيدرالى قد أسهم فى انتعاش الاقتصاد الأمريكى، ولكن مشاكل النمو فى أوروبا مختلفة، إذ إنها تكمن فى العلل الهيكلية للاقتصادات الفرنسية والايطالية ومعاناة بنوك منطقة اليورو المستمرة.
فلن يعالج أى كمية من التيسير الكمى تلك العلة، فأوروبا تحتاج إلى أفكار خاصة بها، ولا يمكن أن تكون بكل بساطة نسخة طبق الاصل من الاحتياطى الفيدرالي.
إعداد: نهى مكرم
المصدر ــ الفاينانشيال تايمز