ينتشر القلق فى أنحاء ألمانيا، بسبب تفاقم الصراع فى شرق أوروبا والعقوبات الاقتصادية واسعة النطاق التى فرضها الاتحاد الأوروبى على روسيا مؤخرا، والتى تضاعف المشكلات المحلية.
وكما يقول المدير التنفيذى لشركة «سيمينز»، جو قيسر، إن التوترات الجيوسياسية تشكل مخاطر جسيمة على النمو فى أوروبا خلال العامين الحالى والقادم.
وكان من المتوقع أن يكون أداء أكبر اقتصاد فى أوروبا، الذى يشكل نحو %30 من الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة اليورو، قويا فى عام 2014. ولكنه سيكون متوسطاً فى أفضل الأحوال، إذ تراجع النمو فى الربع المنتهى فى يونيو بنسبة %0.2، أى ضعف ما كان متوقعا، ما دفع خبراء الاقتصاد إلى خفض توقعاتهم لعام 2014 من %2 إلى حوالى %1.5.
وتمتد تداعيات تباطؤ النمو فى ألمانيا إلى ما وراء حدودها. فسوف يمنح النمو الأسرع المزيد من الوقت لأعضاء منطقة اليورو الأضعف لإعادة هيكلة اقتصاداتها، بينما سوف يرجئ النمو الأبطأ التعافى فى منطقة اليورو ويزيد من الضغوط الواقعة على البنك المركزى الأوروبى بتمديد سياسته النقدية فائقة المرونة.
ولا يعود السبب فى تباطؤ النمو فى ألمانيا إلى التوترات التى تشهدها أوكرانيا فقط، بل أيضا إلى ضعف الأسواق الناشئة فى بلدان مثل البرازيل والتهديدات التنافسية من قبل الصين، والثأر الأمريكى صناعيا.
بالإضافة إلى كراهية الشركات للسياسة الاقتصادية الأخيرة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ولاسيما الحد الأدنى الإلزامى للأجور، وزيادة تكلفة التقاعد المبكر.
وبحسب صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، فإن أداء ألمانيا مازال جيدا. فمع توقعات النمو بنسبة %1.5 خلال العام الجاري، من المتوقع أن يكون الناتج المحلى الإجمالى الألمانى بحلول نهاية عام 2014 أعلى من الناتج المحلى الإجمالى قبيل الأزمة المالية العالمية عام 2008-2009 بنسبة %10.
ويقول رئيس إدارة الرابطة الاتحادية لشركات الصناعة فى ألمانيا، ماركوس كيربر، إن ألمانيا فى وضع جيد جدا الآن. ولكن خلال السنوات العشر القادمة ينبغى أن يتغير كل اقتصاد فى الدول المتقدمة. وفى ألمانيا نجد أن أجندة الإصلاح لا تحرز التقدم الذى أحرزته فى السنوات السابقة.
وللوهلة الأولي، يبدو الأمر وكأنه لغز حيال السبب وراء الضرر الذى لحق بثقة الشركات الألمانية جراء الأزمة فى أوكرانيا، فى الوقت الذى لا تشكل فيه روسيا سوى %3 من الصادرات الألمانية، وكييف مجرد %1. ولكن الشركات الألمانية التى لديها أعمال تجارية فى روسيا ويبلغ عددها 6 آلاف شركة، لديها روابط واسعة النطاق عبر الاقتصاد. وقد فاقمت الإجراءات المضادة لروسيا فى الزراعة، التى أضرت بالمزارعين الألمان، من آثار العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبى على الدفاع والقطاع المالى والبترول.
ويشكل ضعف الصادرات آثاراً أكبر على ثقة المستثمرين فى البلاد، أكثر من أى دولة أخرى من الدول المتقدمة، نظرا لاعتماد ألمانيا على التجارة، حيث تشكل الصادرات %50 من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، مقارنة بنحو %30 من الناتج المحلى الإجمالى لفرنسا والمملكة المتحدة وايطاليا، و%15 من الناتج الإجمالى للولايات المتحدة واليابان.
ويعد انخفاض معدلات الاستثمار أحد أوجه القصور فى الاقتصاد الألمانى منذ فترة طويلة. فنسبة القيمة الإجمالية لتكوين رأس المال الثابت فى الناتج المحلى الإجمالى %17 فقط، ما يعد أقل بكثير من %21 فى المتوسط فى الدول الصناعية.
وتشكل سياسة الطاقة خطراً مباشراً على البلاد، حيث يخشى القطاع الصناعى فى ألمانيا تكاليف اتجاه الحكومة نحو زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، والحد من الوقود الأحفوري، وفى الوقت ذاته التخلص من الطاقة النووية مطلع عام 2022.
وتفيد بيانات وكالة الطاقة الدولية بأن أسعار الكهرباء للصناعة الألمانية تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2000، لتعتلى بذلك قائمة أسعار الكهرباء فى الاتحاد الأوروبي.
ويزيد تباطؤ نمو الاقتصاد الألمانى من صعوبة التركيز على هذه التحديات، مع إنها أصبحت أكثر إلحاحاً. فمنذ عقد مضى شهدت ألمانيا إصلاحات اقتصادية مؤلمة لإنعاش النمو، وبالطبع فهى لا ترغب أن تعيش هذه التجربة مرة أخرى.