بقلم: ديفيد موتادل
ظهر فى السنوات القليلة الماضية بشكل متزايد نوع جديد – على ما يبدو – من أنظمة الحكم وهو المتمثل فى الدولة الإسلامية المتمردة مثل «بوكو حرام» فى غرب أفريقيا، وحركة «الشباب» فى شرق أفريقيا و«الإمارة الإسلامية» فى القوقاز، وبالطبع الدولة الإسلامية فى الشام والعراق «داعش».
وهذه الجماعات لا تنادى فقط بحرب مقدسة ضد الغرب وإنما تستخدم مواردها لبناء حكومة دينية.
وتتشابه هذه الجماعات فى بعض النواحى مع حركات الصحوة الإسلامية فى القرن الثامن عشر، مثل الوهابيين فى شبه الجزيرة العربية والدول الجهادية الأخرى فى القرن 19، فجميعها أباحت الجهاد ضد القوى غير المسلمة، وفى الوقت نفسه سعت إلى تغيير مجتمعاتها تغييرا جذريا.
ومن أوائل هذه الجماعات التى اشتركت فى الجهاد ضد المستعمرات وسعت لبناء دولة، المقاتلون بقيادة عبدالقادر، الذى تحدى الغزو الاستعمارى الفرنسى لشمال أفريقيا فى 1830، وأطلق عبدالقادر على نفسه لقب «أمير المؤمنين، وأسس دولة إسلامية فى غرب الجزائر».
وقاد جيشا منظما وحكومة فرضت الشريعة وقدمت بعض الخدمات العامة، ولكن هذه الدولة لم تكن مستقرة، ولم تكن تحكم منطقة محددة بوضوح، ودمرها الفرنسيون فى نهاية المطاف.
وبالمثل عاشت الدولة المهدية لفترة قصيرة فى السودان، واستمرت من أوائل 1880 إلى أواخر 1890، وقادها محمد أحمد الذى أعلن نفسه «المهدى المنتظر»، ونادت الحركة بالجهاد ضد الحكام المصريين العثمانيين واللوردات البريطانيين، وأسست هياكل للدولة من بينها شبكة تليغرافات، ومصانع سلاح، وجهاز إعلامي، ومنع المتمردون التدخين والكحول والرقص واضطهدوا الأقليات الدينية.
ولكن لم تكن هذه الدولة قادرة على تقديم مؤسسات مستقرة، وانهار الاقتصاد، ومات نصف السكان من المجاعة والأمراض والعنف قبل أن يسحق الجيش البريطانى المدعوم من المصريين النظام فى حملة دموية أُرِخت كـ «حرب النهر» بقيادة الشاب «ونستون تشرشل» الذى كان ضابطا فى السودان حينها.
أما الدولة الإسلامية المتمردة التى كانت أكثر تعقيدا فهى الإمامة القوقازية، التى حشدت المسلمين من الشيشان وداغستان فى حرب مقدسة لمدة 30 عاما ضد الإمبراطورية الروسية التى كانت تسعى لإخضاع المنطقة.
وخلال الصراع، أجبر المتمردون المجتمعات الجبلية على الانضمام لمليشيات الإمامة، وأعدموا الخصوم الداخليين وفرضوا الشريعة، وفصلوا بين الجنسين، وحظروا الكحول والتبغ والموسيقى، وطبقوا قواعد لباس صارمة، وواجهت القوات القيصرية الإمامة بوحشية شديدة حتى سحقوها فى النهاية.
وارتكزت هذه الحركات جميعها على الإسلام، وكان قادتها رجال دين مستبدين، ومعظمهم أطلق على نفسه لقب «أمير المؤمنين»، ودولهم كانت منظمة على أساس ديني، وساعد الإسلام على توحيد المجتمعات القبلية المنقسمة وخدم كمصدر مطلق وسماوى للسلطة يخولها أن تحسّن النظام المجتمعى والسياسى وأن تشرع الحرب.
وتشاركهم الدول الجهادية اليوم الكثير من هذه الخصال، فقد ظهرت فى وقت متأزم، وواجهت بتهور الأعداء الداخليين والخارجيين، واضطهدت النساء، ورغم وحشيتها، نجحت فى استخدام الإسلام لبناء تحالفات واسعة مع القبائل والمجتمعات المحلية، كما أنها قدمت خدمات اجتماعية وأقامت محاكم شرعية صارمة، واستخدمت طرقاً دعائية متقدمة.
أما إذا كان هناك شيء مختلف فى حركات اليوم عن دول القرن 19، فهو أنهم أكثر تطرفا وتعقيدا، وتعد «داعش» على الأرجح هى أكثر الحركات توسعا وتسليحا فى التاريخ الحديث، فهى تستخدم هياكل الدولة الحديثة بما فى ذلك بيروقراطية هرمية منظمة، ونظام قضائي، ومدارس، وجهاز دعائى كبير، وشبكة مالية تسمح لها ببيع البترول فى السوق الأسود.
كما أنها تستخدم العنف والإعدام الجماعى والخطف، وتتبع منهج القمع وجمع الثروة بدرجة لم تكن معروفة فى أنظمة الحكم الإسلامى من قبل، وعلى عكس سابقاتها، لدى قادتها طموحات عالمية، ويحلمون بإمبراطورية مثل امبراطورية روما.
ويجب النظر إلى هذه الحركات أنها ظاهرة وأن هذه الظاهرة لها تاريخ، فهم يتشكلون فى أوقات الحروب ويعملون فى بيئة من الضغوط الداخلية والخارجية، وتكون هذه الدول غير مستقرة وغير فعالة بالكامل.
كما أن تشكيل دولة يجعل الإسلاميين أضعف، لأنه من السهل غزوها ومواجهتها بينما الشبكات الجهادية والعصابات يصعب مقاتلتها.
وفى ضوء ذلك، ينبغى على المجتمع الدولى مواصلة متابعة توسع الجماعات مثل «داعش».. وأن يتدخل لمنع انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق.
وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يسخِّروا على الأرجح الموارد العسكرية الضخمة اللازمة لهزم داعش – ناهيك عن الدول الجهادية الأخرى – فإن أفضل سياسة يمكن اتباعها حاليا هى سياسة الاحتواء، ودعم الخصوم المحليين، ثم التخطيط للانهيار المحتمل للجماعة.
ونحن بحاجة إلى فهم ماهية هذه الجماعات، والإشارة لهم على أنهم «سرطان» كما فعل الرئيس أوباما مفهوما من وجهة نظر عاطفية، ولكن ذلك يبسط من هذه الظاهرة ويحجبها، فالدول الجهادية عبارة عن أنظمة حكم معقدة ويجب فهمها فى سياق التاريخ الإسلامي.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز