تتقاضى شركات استشارات المخاطر، مبالغ ضخمة مقابل تقاريرها وتحليلاتها.
وعلى أرض الواقع، تعتمد الاستثمارات والقواعد التنظيمية والتفاوض على العقود والضرائب وكل شىء تقريباً، على معرفة متى ستندلع الأزمات.
ولكن ماذا لو كان جيش المحللين فى وكالة الاستخبارات المركزية، قد فشل فى التنبؤ بانهيار الاتحاد السوفيتي.. هل لدى أى من هذه الشركات رؤية حقا فى تبرير أتعابهم؟ وهل من الممكن حتى توقع أحداث مثل الربيع العربى والصراع فى أوكرانيا أو الانقلاب فى تايلاند؟.
وتقول شركات استشارات المخاطر السياسية، إن مهمتها لا تنصب على توقع الأحداث بالضبط.. ولكنها أكثر ارتباطا بتحديد المخاطر ومصادر الاضطرابات، ومن ثم يستطيع عملاؤها الاستعداد للأسوأ.
ويقول «جوناثان وود» المحلل لدى «كنترول ريسكس جروب»، إن الربيع العربى صاحبته عوامل كامنة تخلق بيئات غير مستقرة.
وأضاف «وود» أنه كان واضحا فى بعض الأحيان، مع موت الديكتاتوريين أو الانهيار الاقتصادي، أن هذا الترتيب سيقع
تحت ضغط.
ففى العراق، كان يقال لبعض الوقت – نظراً لنمط الهجمات فى الفلوجة ومقاطعة أنبار – إنه من الواضح جدا أن الدولة الإسلامية لديها طموحات إقليمية وقدرة تكتيكية للسيطرة على المدن فى أنحاء المنطقة.. ولذلك اعتبرنا ذلك تهديدا كبيرا.
ويقول «شارلز هيكر» مدير الأبحاث العالمى لدى «سى آر جى»، إنه لا أحد يستطيع القول بأن شركات استشارات المخاطر تنبأت بالأحداث فى أوكرانيا واستيلاء روسيا على القرم والوضع الحالى.. ولكن بمجرد أن تكشفت الأزمة، وضعت شركة «سى آر جى» رسما بيانياً جيداً لمسار العقوبات على روسيا.
ويقول غالبية محللى المخاطر السياسية: «لا تكمن أهمية شركات استشارات المخاطر السياسية فى التنبؤ بتاريخ الأحداث الكارثية ولكن فى التحذير من عدم الاستقرار المتأصل، وبالتالى إعطاء الشركات مساحة من الوقت لترتيب رد فعلهم إذا وقعت الصدمات».
ويقول «جون دراك»، رئيس قسم استراتيجيات تخفيف المخاطر لدى «إيه كيه إيه جروب»، ما نصه: «إننا نتوقع ولا نتنبأ».
وأضاف: «ينظر العديد من عملائنا إلى الأصول والصفقات أكثر من السياسات العامة، ويريدون معرفة ما الذى سيحدث للأصول فى الوقت الحالي، وما الذى ممكن أن يحدث خلال خمس سنوات».
وأوضحت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» أن أدوات التداول متشابهة فى جميع شركات استشارات المخاطر، مع ازدياد الرسوم وفقا لعمق التحليل. وتعمل غالبية الشركات استنادا إلى مبدأ «أعذر من أنذر»، أو على الأقل فإنها تجمع بيانات تجعل التوقعات أكثر دقة، أو على الأقل تحدد مصادر عدم الاستقرار على نحو موثوق به.
وتقول «اليسون وارهورست» المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة الاستشارات «مابليكروفت»، إن عوامل الخطر الاجتماعى مؤشر رئيسى للمخاطر السياسية، ولاسيما قضايا حقوق الإنسان مثل انتهاكات قوات الأمن.
وإذا نظرت إلى خصائص عدد من البلدان، مثل مصر وليبيا وسوريا وأوكرانيا وتايلاند، قبل أن تمر بتغير النظام، تجد أن جميعها لديها كثافة سكانية متزايدة من الطبقة المتوسطة، جنبا إلى جنب مع تدهور الحريات السياسية وتنامى الفساد.
وأضافت «وارهورست» أن الحكومات تتصرف بطرق معينة، فربما تحاول تهدئة المجتمع الذى لا يرى مزايا الاستثمار من خلال مصادرة الأصول الأجنبية أو تغيير الأنظمة الضريبية، أو ربما تلجأ إلى القمع المباشر، والحكومات الذكية فقط التى تداوم على الإصلاح، هى التى ستنجح فى البقاء.
ويقول أحد كبار محللى قطاع إدارة المخاطر: «سوف تكون هناك صدمات دائما.. والسؤال الذى توجهه إلينا الشركات هو.. هل ينبغى علينا البقاء فى الدولة؟ هل سيكون من المستحيل أن نعمل؟ ما هى التحديات الواقعية؟ ومهمتنا هى تحدى إجماع الآراء واستنتاجات الإعلام المحبطة».