بقلم: ليليا شيفتسوفا
عادة ما تنتهى الانتصارات التكتيكية بهزيمة استراتيجية، وهذا ما يتعرض له الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حالياً، إذ بدت حساباته صحيحة فى البداية.
فالغرب تقبل على مضض ضم إقليم القرم. والأوكرانيون لم يقاوموا خوفاً من حرب شاملة.
ونتيجة لذلك تمكن «بوتين» من إعلان السيطرة الكاملة دون اللجوء إلى قمع كبير، وتحولت روسيا إلى دولة حرب، وأطلق «بوتين» عملية لا يستطيع إيقافها، وجعل نفسه رهينة للانتحار السياسي.
ولا يستطيع الرئيس الروسى الآن، الخروج من الحرب دون أن يخاطر بفقدانه السلطة، وهو يقوم حاليا بعقد صفقات ويرتدى قبعة صانع السلام، ولكنه سيعود حتماً إلى حصنه المحاصر، ولا يستطيع الحكم إلا من خلال إخضاع الأمة بطريقة لا تبررها سوى الحرب. وسيذكر الروس المشاكل الاقتصادية التى تسبب فيها فى وقت قريب للغاية.
وفكك «بوتين» مؤسسة ما بعد الحرب العالمية، مما مكنه من الانخراط اقتصاديا مع الغرب، من أجل مصالح دولة البترول الروسية. ولكنه أبقى على انغلاق المجتمع الروسى أمام التأثير الغربي، وتسبب عنفه فى تطلع جارته الأوكرانية إلى الغرب للأبد.
وتعد خطة السلام التى أعلنها بوتين فى سبتمبر – التى كان لها دور رئيسى فى ضمان وقف إطلاق النار – محاولة لتطبيع الوضع الراهن الجديد، أما البديل – كما أوضح الكريملين – كان استمرار إراقة الدماء.
ولم تعتزم روسيا فى هذه الخطة التنازل عن المناطق المحتلة، بل إن صفقتها جاءت مدعومة بتهديدات مظلمة من دولة تمتلك إحدى أكبر الترسانات النووية فى العالم.
ولم يتجرأ الغرب على وصف التوغل الروسى بالعدوان، بل استخدموا تعبيرات لطيفة تتعلق بـ «حل سياسي» للأزمة الأوكرانية، مما يعنى أن مصالح الكريملين سوف تؤخذ فى الاعتبار، وأوضحت القمة التى انعقدت فى «ويلز» هذا الشهر أن التحالف غير مستعد للقيام بأكثر من إدانة روسيا.
أما الوعود التى قطعتها دول الناتو بمساعدة أوكرانيا بالسلاح، فلن تغير التوازن العسكري، رغم أن الطرفين لديهما مصلحة فى إظهار عكس ذلك.
كما لن تجبر العقوبات الغربية بوتين على التراجع، وأثبت الغرب أنه غير مستعد لضم أوكرانيا تحت مظلته الأمنية، وغير قادر على الالتزام بتعهداته بموجب القانون الدولى كضامن للسلامة الإقليمية الأوكرانية.
ولكن هل هذا يعنى أن «بوتين» فاز؟.
بل على العكس.. فقد أخطأ فى حساباته مجددا، فهو يعتقد أن بإمكانه القيام بما قام به قادة روسيا السابقون وهو إخضاع رعاياه من خلال وضع روسيا فى حالة مواجهة مع العالم الخارجي. ولكن الدعاية المستمرة بلا نهاية على التليفزيون الروسى لن تشتت انتباههم طويلا. فالمجتمع الروسى لن يقبل سوى بحرب قصيرة ومنتصرة، لأنه غير مستعد لإراقة الدماء.
ولم يعد هناك الكثيرون على استعداد للموت من أجل نظام «بوتين»، خاصة اأن الأنباء المتعلقة بمقتل مئات الجنود الروس فى أوكرانيا، وإخفاء جثثهم فى روسيا بدأت تضعف الدافع الوطني.
وقريباً، سوف يشعر الروس بالتدنى المتواصل فى مستويات المعيشة، وسوف يتساءلون: لمَ أصبح حالهم أسوأ فجأة؟ وبالفعل أصبح %37 من الشعب الروسى يعتقدون أن مصالح الأفراد يجب أن تغلب مصالح الدولة.
كما أن «بوتين» ليس «ستالين» الجديد، ولا يستطيع تحريك روسيا من أجل حرب وطنية عظيمة.
ومما يثير السخرية أن روسيا الجديدة سوف تشكل أزمة للرئيس الروسي، فالكريملين سوف يضطر للتعامل مع الانفصاليين المسلحين الذين سيشعرون بالمرارة بسبب فشلهم فى الحصول على أموال من موسكو، بالإضافة إلى ارتفاع موجة الاحتجاجات فى الداخل.
وهؤلاء الذين يحاربون بشجاعة من أجل «العالم الروسى»، سوف يصبحون سريعاً تهديداً لبوتين إذا سمح لهم بالدخول فى النسيج الروسي، فهم مرحب بهم فى الوطن الأم.. ولكن فقط إن كانوا داخل نعوش.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز