يسعى إقليم “كاتالونيا” الثري بتاريخه واقتصاده القوي إلى الاستقلال عن إسبانيا في خطوة تعيد إلى الأذهان الاستفتاء الذي جرى منذ أكثر من أسبوعين في أسكتلندا، وهو ما يثير الجدل بشأن وحدة الدول الأوروبية.
الوضع مختلف هذه المرة، فقد طويت صفحة انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة – على الأقل في الوقت الحالي – ولكن الدافع وراء استقلال “كاتالونيا” عن إسبانيا يمثل تهديدًا أكبر للأسواق الأوروبية من الحالة الأسكتلندية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يمثل انفصال “كاتالونيا” تهديدًا أكبر؟
هناك ثلاثة أسباب وراء ذلك، أولها، أن فرص انفصال الإقليم عن إسبانيا أكبر بكثير في ظل اقتصاد قوي مقارنةً بالاقتصاد الأسكتلندي، والثاني أن انفصال الإقليم يمثل تهديدًا لاستقرار العملة الموحدة “اليورو” حيث إن إسبانيا عضو بمنطقة اليورو، أما السبب الثالث، فبرغم حالة الارتياح النسبي في المملكة المتحدة من انفصال أسكتلندا، إلا أن هذا الارتياح مفقود بشكل تام في إسبانيا.
إن فكرة انفصال إقليم “كاتالونيا” تمثل كابوسًا للأسواق إذا ما استيقظت عليه يومًا ما، ولا سيما هذه الأيام بعد أن بلغت دعوات الانفصال ذروتها، حيث حددت حكومة الإقليم التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني لإجراء استفتاء يُطرح فيه سؤال بسيط: هل تريد أن تظل “كتالونيا” جزءًا من إسبانيا أم لا؟
من أين تنبع فكرة استقلال الإقليم؟
برزت حركة تسمى “استقلال كاتالونيا” منذ بداية القرن العشرين، وهي حركة سياسية مشتقة من الهوية الكاتالونية ولها أفكار مبنية على أساس أن الإقليم هو دولة له هوية خاصة ولغة وثقافة مميزة وخصصت هذه الحركة علماً للإقليم عبارة عن لون أصفر يتخلله خطوط حمراء ليصبح رمزًا رئيسًا لها.
وتكمن الأزمة في أن الحكومة الإسبانية قد رفضت تمامًا فكرة انفصال “كاتالونيا”، حتى أن المحكمة الدستورية رفضت حق التصويت، وأصبح هناك غموض حول إجراء هذا الاستفتاء، ولكن إذا ما جرى، فسوف يكون من الصعب على الحكومة مقاومة هذا الانفصال بسبب قيود الديمقراطية.
ومن الجدير بالذكر أن إقليم “كاتالونيا” يمتلك إجمالي ناتج محلي يقدر بحوالي 314 مليار دولار، وفقًا لإحصاءات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، مما يجعل الدولة الوليدة – حال الانفصال- في المرتبة الرابعة والثلاثين من حيث قوة الاقتصاد على مستوى العالم، متخطيةً هونج كونج والبرتغال.
ولكن من سلبيات الانفصال، أن “كاتالونيا” سوف تفقد السوقين الإسباني والأوروبي، وسيكون عليها توقيع اتفاقيات من أجل تسويق منتجاتها، بالإضافة إلى انخفاض مستوى المعيشة بنسبة 8% وفقًا لإحدى الدراسات، ويمكن لها استخدام العملة الموحدة (اليورو” مثل إمارة موناكو الفرنسية، ولكن دون التدخل في السياسات المصرفية أو القوانين والقرارات السياسية).
ويبقى فقط مصير نادي “برشلونة” الإسباني الذي ينافس على الدوري كل عام، والذي يعد من أعرق وأقوى الأندية في أوروبا، فكيف ينافس على البطولات المحلية والأوروبية إذا انفصل الإقليم، هذا ما ستترجمه الأيام إذا حدث الانفصال بالفعل.
من المرجح حدوث الانفصال
بالمقارنة بين استفتاء أسكتلندا و”كاتالونيا” حال حدوث الثاني، نجد أن أسكتلندا لم تكن لتربح من الانفصال عن المملكة المتحدة ذات الاقتصاد القوي والناجح نسبيًا، أما في حالة “كاتالونيا”، فإن اقتصادها قوي ولديها من الثروات ما يؤهلها لخوض تجربة استقلال ناجحة، في ظل الاقتصاد الإسباني الذي يعاني من أزمة ديون منطقة اليورو وارتفاع معدلات البطالة والركود.
ما هي عواقب انفصال “كاتالونيا” عن منطقة اليورو؟
تدور التساؤلات حول عواقب انفصال إقليم “كاتالونيا” على منطقة اليورو التي تخضع فيها إسبانيا لعملة موحدة، ولا سيما كيفية اجراء التعاملات المحلية بين سكان الإقليم وردة فعل اليورو على ذلك بالأسواق والديون؟ بالإضافة إلى احتمالية وقوع العملة الموحدة تحت براثن أزمة أخرى، ولكن لا أحد يستطيع الرد على هذه التساؤلات في الوقت الحالي أو حتى التكهن بما سيحدث.