بقلم: محمد العريان
من المتوقع والمؤسف فى نفس الوقت أن التقلبات التى شهدتها الأسواق المالية فى الأيام الأخيرة تدفع عدداً متزايداً من اللاعبين فى السوق على حث الاحتياطى الفيدرالى بتطبيق جولة رابعة من التيسير الكمي، أى برنامج جديد من شراء الأوراق المالية لتهدئة الأسواق، ودعم الأسهم والسندات والسلع المتراجعة.
ومع ذلك، فإن عقبات القيام بمثل هذه الخطوة مرتفعة، خاصة إذا لم يصحبها استجابة سياسية أكثر شمولية من خارج واشنطن.
وتحركت الاضطرابات الأخيرة فى السوق نتيجة عاصفة شديدة تتكون من: أولاً، تخفيض توقعات النمو استناداً على عوامل اقتصادية وغير اقتصادية، ثانياً، علامات الانقسام الداخلى والخارجى عندما يتعلق الأمر بتطبيق البنك المركزى الأوروبى للمزيد من المحفزات النقدية العنيفة، ثالثاً، الأثار التقنية المدمرة الممتدة من التقلبات الشديدة فى أسواق العملات والناتجة عن تباين المواقف السياسية للبنوك المركزية الكبرى حول العالم.
وأدت هذه العوامل إلى فسخ علاقة الأسواق بفكرتين مغريتين تدفعان إلى التحمل المفرط للمخاطر والشعور بالرضا العام، وهما معدل النمو المنخفض بدرجة لا تؤدى إلى ركود أو انتعاشة تضخمية، والبنوك المركزية القادرة والراغبة فى عدم قمع التقلبات السوقية لدعم أسعار الأصول.
ونتيجة لذلك، يتدافع المتداولون حالياً لإعادة توزيع استثماراتهم، وخلال هذه العملية، يكتشفون مجدداً أن السيولة فى السوق ليست بالقدر الكثير الذى يأملوه مما يتسبب فى تقلبات شرسة فى الأسعار حتى فى فئات الأصول التقليدية.
واستنادا على رد فعل الاحتياطى الفيدرالى على التقلبات فى الأسواق المالية – بما فى ذلك استجابة العام الماضى بعد نوبة الغضب الناتجة عن تقليص برنامج التيسير الكمى – يطالب الآن عدد متزايد من المشاركين فى السوق البنك المركزى الأمريكى بالتدخل من خلال برنامج جديد لشراء الأصول ليحل محل ذلك الجولة الثالثة المفترض انتهائها هذا الشهر.
وسوف تسير المجادلات بشأن الجولة الرابعة من التيسير الكمى على النحو التالى: رغم أن الاقتصاد الأمريكى يتعافى بشكل مطرد وبوتيرة أسرع من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، فإنه لم يكتسب السرعة الكافية للهروب تماماً من الركود، وبذلك، فإنه مازال معرضاً للرياح المعاكسة التى تعوق معدلات النمو الحقيقية الممكنة، كما لايزال معرضاً لبعض مخاطر الانكماش المدمرة.
وسوف تكون التحديات الناتجة مضاعفة بشكل كبير إذا قوض عدم الاستقرار الحالى فى الأسواق المالية ثقة الشركات والمستهلكين، لأن ذلك يقوى الرياح المعاكسة المقبلة من الاقتصاد العالمى الضعيف، والفزع من الإيبولا، والأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة فى الشرق الأوسط وأوكرانيا.
وبقدر ما تلقى هذه الحجة استحساناً، فهى غير مكتملة لأن الهدف المباشر للجولة الرابعة من التيسير سوف يكون أسعار الفائدة على السندات الحكومية، وقروض الرهن العقارى الجديدة، وإعادة تمويل المنازل، والتى تعد بالفعل عند مستويات منخفضة للغاية.
وعلاوة على ذلك، مازالت البنوك تحمل احتياطات كبيرة للغاية لدى الاحتياطى الفيدرالي، وبجانب ذلك لا يوجد علامات كثيرة – إن وجدت – على مساندة الكونجرس الأمريكى للفيدرالى لكى يقوم بالاستجابة الشاملة المطلوبة بشدة لوضع الاقتصاد الأمريكى على مسار قوة النمو والوظائف، ولمكافحة عدم المساواة المفرطة، وعلى الجانب الأكثر إيجابية، تستفيد معظم الشركات والأسر من التراجع الحاد فى أسعار الطاقة.
أما فوائد الجولة الرابعة سوف تكون صغيرة وتتعلق بتوليد نمو مطرد ودائم وشامل بما يكفي، أما إذا لم ينمو الاقتصاد بقوة، فسوف يعانى من موجة أخرى من الارتفاع الكبير فى أسعار الأصول، ومن التحمل المفرط للمخاطر الذى يصاحب ذلك.
ولجميع هذه الأسباب، قد تواجه الجولة الرابعة للتيسير الكمى عقبات كبيرة، ولكن هذا لا يعنى أن المسئولين فى الفيدرالى سيقفون موقف المتفرجين، بل ينبغى عليهم طمئنة الأسواق من خلال تصريحات مهدئة بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة لوقت طويل.
كما يمكن أن يلمح المسئولون عن احتمالية تأجيل موعد الانتهاء المتوقع للجولة الثالثة من التيسير الكمى (رغم أن البرنامج تم تخفيضه إلى 15 مليار دولار شهريا، فإن تأجيله سوف يكون له أثر رمزى أكثر منه فعلي).
وبعد فترة طويلة من التحمل المفرط للمخاطر والشعور بالرضا، سوف تأخذ الأسواق وقتا حتى تعيد ترتيب أوراقها بالكامل، وسوف تتزاحم التداولات فى الأسواق لكى يعيد المتداولون مواقفهم الاستثمارية، ولذا يطالب المشاركون فى السوق بجولة رابعة لاختصار كل ذلك، وهو مطلب مفهوم لكنه مضلل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز