بقلم: جيدوين راتشمان
قال رئيس الوزراء الفرنسى، مانويل فالز، فى خطاب له على التليفزيون فى وقت مبكر من هذا العام، إن الميزانية الفرنسية لن تتم كتابتها على نحو «يرضى بروكسل»، وأضاف: «نحن أمة عظيمة.. وفرنسا دولة سيادية».
وليست فرنسا الوحيدة التى تقاوم القيود المفروضة على سيادتها الوطنية من قبل الاتحاد الأوروبى ، إنما تصارع بريطانيا أيضاً حقيقة أنه بموجب القانون الأوروبى لا يمكنها منع الهجرة غير المحدودة من باقى دول منطقة اليورو.
وتعد السيطرة على الحدود والميزانيات أهم القوى التقليدية لأى دولة، ويهدد المدى الذى تذهب إليه فرنسا وبريطانيا نتيجة غيظهما من تآكل سيادتهما بإثارة أزمات سياسية، وقد يقود إلى انهيار اليورو أو تفكك الاتحاد الأوروبى نفسه.
وتقترب لحظة الحقيقة بالنسبة لفرنسا، فقد قدمت موازنة وطنية إلى المفوضية الأوروبية يبدو أنها تكسر قواعد الاتحاد الأوروبى التى تجبر فرنسا على التقدم السريع نحو تخفيض عجز موازنتها إلى دون %3 من الناتج المحلى الإجمالي، ومن المفترض أن تقرر المفوضية فى الأيام المقبلة إذا كانت فرنسا انتهكت القواعد، وإذا كان الأمر كذلك، فإن المفوضية ملتزمة قانوناً برفض موازنة فرنسا، وإجبار باريس على إعادة كتابتها.
وسيكون مثل هذا الإذلال للحكومة الفرنسية بمثابة منحة لليمين المتطرف فى فرنسا الذى تحشد قائدته مارين لوبان الآراء ضد الاتحاد الأوروبى، وتطالب بأن تتخلى دولتها عن اليورو.
وبالطبع، يعى الاتحاد الأوروبى المخاطر السياسية لإذلال فرنسا، وهناك حديث بشأن التوصل لاتفاق فى آخر لحظة، وربما توافق فرنسا على جدول زمنى جديد للإصلاحات الهيكلية الاقتصادية، فى مقابل المزيد من الوقت بشأن الموازنة.
ولكن أى تلميح بشأن إبرام اتفاق خاص مع فرنسا باعتبارها «أمة عظيمة» سوف يكون له أثر سيئ على دول الاتحاد الأوروبى الصغرى التى قامت بمجهودات ضخمة للالتزام بالقواعد، كما قد يؤدى ذلك إلى إثارة مشاعر التشكك فى اليورو فى ألمانيا حيث يحقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض لليورو مكاسب قوية.
واختارت بريطانيا عدم التقيد باليورو كعملة رسمية، وبذلك وفرت على نفسها عناء قيود الموازنة الصارمة التى تنطبق على فرنسا، ومع ذلك، يلوح فى الأفق مواجهة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى بشأن الحركة الحرة للأفراد داخل أوروبا.
وكانت بريطانيا قد وقعت على هذا المبدأ عندما انضمت إلى الكتلة فى 1970، وعلى مدار عقود لم يكن هذا المبدأ مثيراً للجدل نسبياً، ولكن توسع الاتحاد الأوروبى ليشمل الدول الأفقر من وسط وشرق أوروبا أدى إلى تدفقات هائلة من المهاجرين إلى بريطانيا بما فى ذلك مليون شخص من بولندا وحدها.
وبعد انتقال الشكاوى من الهجرة الجماعية فى أوروبا إلى قلب السياسة البريطانية، وجدت الحكومة نفسها فى وضع محرج لأنها اضطرت إلى تفسير أنها لا يمكنها فعل شىء لمنع التدفقات البشرية تحت القواعد الأوروبية الحالية.
وتعد هذه الأزمة بمثابة هدية إلى حزب الاستقلال البريطانى الذى يطلق حملات تدعو إلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ولا يوجد شيء يوضح «فقدان السيادة» أكثر من عدم القدرة على تقرير من يستطيع العيش فى دولتك.
ويواجه ديفيد كاميرون معضلة سياسية حادة، فهو يعلم أن العديد من ناخبيه يريدون منه أن يخفض الهجرة الوافدة من باقى دول أوروبا، ولكنه يعلم أن «حرية الانتقال للأشخاص» مبدأ أساسى من مبادئ الاتحاد الأوروبي، ولن تقبل الدول الأخرى الأعضاء فى الاتحاد المساومة عليه.
ويظهر الاستياء بشأن الهجرة وقواعد الاتحاد الأوروبى بشأن حرية الانتقال فى دول أوروبية رئيسية أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا، ولكن هناك تكلفة فى أن تكون الأول لكسر هذا الموضوع المحرم.
وإذا قام كاميرون بهجوم صريح على حرية الانتقال، فهو يخاطر بإشعال فتيل قتال مع أوروبا سوف يخسره على الأغلب، وهذا النوع من الإذلال القومي، قد يقود سريعاً إلى قرار بريطانى للانسحاب من الاتحاد الأوروبى تماماً فى الاستفتاء بشأن عضوية الاتحاد الأوروبى الذى وعد به رئيس الوزراء فى 2017.
وتهدد القيود الأوروبية على السيادة القومية حاليا بإثارة الأزمات فى علاقة الاتحاد ببريطانيا وفرنسا، ويحق للاتحاد الأوروبى الفخر بفكرة أنه مجتمع من القوانين التى تصون المبادئ الليبرالية، ولكن رفض التفاوض بشأن هذه القوانين والمبادئ – خاصة الموازنة والحدود – ينذر بدفع الاتحاد نحو أزمة سياسية قد تهدد فى النهاية وجوده.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز