يتابع العالم خلال الفترة الماضية موجة التراجعات المتتالية في أسعار النفط التى هبطت لأدنى مستوياتها منذ أربع سنوات. ودائما ومع بزوغ أية تغيرات واسعة فى أسعار النفط ما يتوقع المراقبين آثار أعم وأشمل على الاقتصاد العالمى والتى ترتبط بتحركات لدول منتجة وشركات كبرى ومنظمات لاعبة وفعالة فى أدارة الازمة وسرعان ما يمتد ليشمل دورلدول مستهلكة رئيسية.وقد أسفرت تلك التراجعات المدفوعة بمستوى الانتاج النفطى والمخزون منه ومصادر الطاقة البديلة لدى بعض الدول الى هبوط نسبى فى أسعار الغاز الطبيعي والصلب والنحاس والعديد من السلع والمعادن الأخرى وهو ما قد يسهم مبدئيا فى تقلص معدلات التضخم وارتفاع حجم ما يوفره المستهلكين والشركات الى أن يزيد الطلب العالمى عن المعروض من تلك السلع بصورة أكبر.
وأنتهاجا لمنطق مراقبة الدول للمشهد العالمى لتطورات السوق النفطية ضمن حساباتها الاستراتيجية فى تأمين الطاقة لديها، تشير التغيرات الحالية كما اوردته “رويترز” أنه فى وقت تجددت فيه المخاوف بشأن تأثر النمو الاقتصادي العالمى بالهبوط الحاد فى أسعار النفط الذى قد يبدو للوهلة الاولى نعمة للبلدان الرئيسية المستهلكة للخام ونقمة على بلدان منتجة له فإن آثار تراجع أسعار النفط تختلف اختلافا كبيرا من بلد لآخر ويتوقف ذلك إلى حد كبير على ما تتبعه من سياسات”.ونشير فى هذا السياق الى الاتجاه الحالى فى مصر لتلبية مطالب شركاء أتفاقيات الامتياز البترولية لرفع أسعار الغاز المنتج “ليتناسب كما ذكره المسئوليين بوزارة البترول ما تسدده الدولة من سعر الاستخراج مع التكلفة الاقتصادية لكل مشروع ، وأن آليات رفع أسعار شراء الغاز تعتمد على تقييم حجم التكاليف والانتاج المستهدف من مناطق الامتياز التابعة”.والتساؤل المطروح هــل يؤثر مشهد هبوط أسعار الخام على سعر أستخراج وأنتاج الغاز الطبيعىNatural gas فى مصر المرتبط بأسعار برنت أم أن أحتياج الدولة الى الغاز وعدم تنوع مصـادرالطاقة لديها وزيادة كلفة الواردات هو العنصر التفاوضى الحاكم لمزيد من الامتياز والتبعية للشركات العاملة، فى وقت يبقى تراجع اسعار الخام والغاز المسال Liquefied natural gasعالميا فرصا غالية لتحقيق مكاسب للمستهلكين ليس بينهم فيما يبدوالسوق المصرى للغاز الذى يشهد بالسنوات الماضية أتساع الفجوة بين الانتاج والاستهلاك.وحسب ما ورد عن مركز معلومات مجلس الوزراء، بنشرة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فقد تراجع الانتاج بنسبة 14.48% والاستهلاك بنسبة 11.03% كما تراجعت صادرات الغاز المسال بنسبه 86.41% عن العام الماضى.ويعزو أنخفاض الانتاج لنفاذ بعض الآبار وعدم دخول أخرى لتعويض النقص وتراجع خطط تنمية الشركاء مدفوعة بتباطؤ متعمد بغية رفع اسعارالتوريد لتأخر صرف مستحقات تقدر بنحو 5.8 مليار دولار لدى الدولة.
يتفاقم الوضع بتراجع صادرات الغاز المساللتغطية لاحتياجات السوق المحلى خاصة قطاع الكهرباء على حساب تعهدات الدولة وألتزامها بتوريد الغاز المنتج من تلك الاتفاقياتلمصنعى الاسالة والذى يشاركبه الشركاء أيضا، بما يعنى مزيد من مستحقات الشركاء بعد توقف تعويضهم بغاز بديل بنظام المبادلة Gas Swapمن دولة قطر بتكلفة تقدر بثلاث أضعاف سعر السداد لشركاء أنتاجه.وفى المقابل تتمثل صعوبات أستيراد الغاز المسال فى تكلفته وألتزامات الدول المصدرة بعقود طويلة الاجل وكذلك عدم أمتلاك مصر لمصنع أعادة الاسالة Regasification.
والمعضلة كما نراها فى أتباع قطاع البترول المصرى سياسة “أقتسام الانتاج” منذ عقودطويلة بما لا يحقق من وجه نظرنا الهدف المرجو منهافى تنمية أقتصادية تحقق للدولة الحصول على عوائد حالية ومستقبلية بتنمية وأنتاج تلك الثروات تأخذ بالاعتبار “وفقا لنظريةالموارد الناضبة” محددات وأفضليةوقت الاستخراج، فإذا كانت قيمة المورد تحت الأرض تنمو بسرعة اكبر من عائد أستثماره فإنه من الأفضل تركه تحت الأرض حتى تتعاظم الثروة Capital gains اما اذا كان استخراجه واستثمار ايراداته فى تحقيق تنمية مستدامة تدر معدل دخل اكبر فمن الأفضل استخراجه للحصول على دخل دائم يعوضها عن النضوب.
وتكمن أشكالية موافقة الدولة على طلبات شركاء الاتفاقيات لرفع سعرالغاز الى الاخلال بالتوازن العقدى equilibriumDisrupted الذى يفترض الا تؤدى تطبيق اية تعديلات تؤدى لانتقاص أو زيادة فى حقوق والتزامات الاطراف عما تم الاتفاق عليه عند تاريخ سريان العقد.لذا نرى أعادة دراسة كافة العقود المشار اليها لانعكاس آثارها على تعهدات السوق المحلى والخارجى ومدى تحقق التوازن المطلوب بها فى ظل ضخامة تكاليف البحث والتنمية الى تمام أسترداد الشريك لنفقاته،وبأعتبار ما تلجأ اليه الدولة منذ سنوات طويلة بشراء حصص الشركاء فى الربحفأن نصيب الدولة من متوسط قيم الانتاج المستخرج يقل عن(50%)بعدم تحقيق فائض أسترداد للنفقات وضعف الانتاج،ويصبح جنى الدولة لثمارربح عادلأمل بعد سداد التزاماتها بأسترداد الشريك لكامل نفقاته أذا لم يصادف هذا نفاد الآحتياطيات وتقادم التسهيلات الخاصة بالانتاج علما بأنه يستنزل من نسبة الجانب الوطنى بتلك العقود قيمة أتاوة الدولة(10%) وضرائب دخل الشريك (40.55%) المسددة عنه والتى تنص الاتفاقيات المذكورة على قيام الهيئة المشاركة بأستنزالهما من وعائها الضريبى”خفض الحصيلة الضريبية للدولة”. لذا يجب مقارنة عائد الدولة من منح توقيع وأنتاج ونسب أقتسام الانتاج بالعقود مع مايتحمله الجانب الوطنى من “أتاوة وضرائب تقدر سنويا بنحو خمسة مليارات دولاروكذلكما تقدمه الاتفاقيات من أعفاءات جمركية والتى يفترض كونها أداة توجيه وتحفيز لنهج خطط تنمية الموارد،فنرى أستبدال ما تقدمه الدولة بحوافزخصم ضريبىTax credits أو خفض متدرج مع ربط الاعفاءات الجمركية بتحقيق أهداف الدولة وتحقيق قيم مضافةحقيقيةللاقتصادالقومى كأعداد كوادر وطنية وتطويرتكنولوجى وقيم تصديرأو بأجراء ربطها بطبيعة وتكاليف أستخراج المورد برى ، بحرى، مياه عميقة .. أوبأستقرار حجم الانتاج أو لفترة زمنية محددة..ألخويبقى ذكر أن تنميةالاحتياطيات المؤكدة والمحتملة2P يفترض متابعتها دورياوفق للعمرالمتبقى “معدل الاحتياطي للانتاج R/P ratioوفقا لسياسات مستقبلية دقيقة تراعىألتزامات سداد النفقات وتخفيض خطر التغير السلبى لتناقص معدلات الانتاج وأثره فى تلبية الاحتياجات المستقبلية لكافة قطاعات الدولة بسعر مناسب.
وختاما، تقضى الاتفاقيات فى مادتها الثالثة (و) بوجوب تحمل المقاول (الشريك) لالتزاماته والقيام بكافة العمليات التى تتطلبها الاتفاقية ومنها الاستمرار وعدم التوقف عن الانفاق على التنمية بعد التوقيع على عقود بيع الغاز مع الجانب الوطنى، ويقتصر ما يتطلع اليه المقاول لاسترداد التكاليف والمصروفات على ما يستحقه فقط من بترول فى ظل الاتفاقية والتى تسترد على النحو المنصوص عليه فى المادة السابعة بتقسيم الانتاج.” فالاتفاقيات فى نصها بعدم أستحقاق المقاول لفوائد على أستثمار نفقاته حتى وأن كان هناك عجز مرحل لاسترداد تضع الاطراف عمليا أمام احدى الخيارات المتباينة لميزان مصالح الاطرافأما بزيادة كمية الانتاج الذى يحقق مصلحة الجانب الوطنى أو زيادة السعر لصالح الشريك. وتعكس المحددات السلبية لآلية القوة التفاوضية للشركاء الاجانب تحمل الدولة كافة مخاطرالاسعار Price RiskوالسوقVolume Risk .ودائما ما تختزل المشكلة بصورة دعم الطاقة كما يصورها دائما متبني سياسة الجهات المانحة للتمويل سواء المؤسسات المالية أوشركاء الاتفاقيات لتحريرالاسعار وما تسببه من تشوهات لسوق الطاقة المحلى، فالاولى بالدراسة هو تفادى مسببات أرتفاع تكلفة الاستخراج وبحث الخسائر التعاقدية وأستهداف زيادة الانتاج بدلا مما يتم أستيراده من غاز.
بقلم: عماد محمد شاهين
مدير مراجعة، مراقب حسابات سابق بالجهاز المركزى للمحاسبات ج.م.ع